تصاعد الإرهاب في مصر
حميدي العبدالله
بعد مرور أكثر من سنة وثلاثة أشهر على خلع الرئيس الإخواني محمد مرسي، لا تزال مصر تعيش حالة من الاضطراب الشديد على الصعيدين الجماهيري والأمني.
على الصعيد الجماهيري لا يكاد يمرّ يوم واحد، ولا سيما يوم الجمعة إلا وتخرج تظاهرات في مدن عديدة، وخصوصاً في العاصمة القاهرة ومحافظة الجيزة، وغالباً ما تنتهي التظاهرات إلى صدام بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية ويسقط جراءها جرحى وأحياناً قتلى، وفوضى في الأماكن التي تشكل مسرحاً للمواجهات، ولا يزال العام الدراسي في عدد من الجامعات المصرية يعاني من اضطراب شديد بسبب هذه المواجهة.
أما على المستوى الأمني فلا يكاد يمرّ يوم واحد من دون هجوم يستهدف رجال الشرطة والجيش في مختلف المحافظات المصرية، أو تقوم قوات الشرطة باكتشاف عبوات ناسفة وتفكيكها قبل انفجارها، وبعضها يستهدف سكك القطارات، ومحطات المترو، وكان الأسبوع الماضي من أشدّ الأسابيع دموية في سيناء وفي القاهرة، حيث شهد هجومين تسبّبا بسقوط 31 عسكرياً في سيناء، وتفجير عبوة ناسفة في القاهرة أوقعت أكثر من 12 إصابة.
الاضطراب الأمني الشديد وتصاعد الهجمات الإرهابية، على الرغم من مرور أكثر من سنة على الإطاحة بمرسي، وبدء عملية عسكرية واسعة في سيناء ضدّ التنظيمات الإرهابية، يطرح أسئلة ملحة حول أسباب عجز السلطات المصرية عن السيطرة على الموقف، وهو الأمر الذي دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى اتهام جهات خارجية بالانخراط في مؤامرة تهدف إلى إسقاط الدولة المصرية، وتقوم بتسهيل تنفيذ سلسلة من الأعمال الإرهابية التي شهدت تصعيداً ملحوظاً.
لا شك أنّ هناك أسباباً تلعب دوراً كبيراً في تفسير عجز السلطات المصرية عن إعادة الأمن والاستقرار إلى كلّ أنحاء مصر، أول هذه الأسباب وجود دعم خارجي لجماعات المعارضة المتمثلة بـ«الإخوان المسلمين» وشركائهم في تحالف «دعم الشرعية» وهذا الدعم السياسي والمالي يحصلون عليه من دول في المنطقة مثل قطر حيث لا تزال قناة «الجزيرة» تقوم بدور كبير في التحريض على التظاهر والعمل على إسقاط النظام بذريعة إعادة الشرعية، كما أنّ الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لم تقدّم دعماً واضحاً للنظام الجديد، ولم تقطع علاقاتها مع جماعة الإخوان ولا تزال تدعو السلطات المصرية إلى الحوار مع هذه الجماعة التي توفر بنشاطها السياسي والجماهيري البيئة الملائمة للصدامات بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية، كما أنّ جهات عديدة تقدم الدعم للجماعات الإرهابية التي تنشط في سيناء، سواء كانت هذه الجماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» الأمّ أو بتنظيم «داعش»، ومعروف أنّ كثير من التنظيمات الإرهابية تحصل على دعم دول عديدة مثل قطر وتركيا، وهذا الدعم المتعدّد والمتفاوت الأشكال الذي تحصل عليه جماعة الإخوان وحلفاؤها والتنظيمات الإرهابية هو الذي يشكل السبب الأول لغياب الاستقرار وتصاعد الإرهاب.
ثاني هذه الأسباب محيط مصر المباشر حيث السيطرة باتت شبه كاملة للجماعات ذات التوجه الديني المتشدد، وهي الحليفة الطبيعية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، حيث يسيطر هؤلاء على ليبيا، وعلى السودان، وينتشر السلاح والجماعات الإرهابية على نطاق واسع في الدول المجاورة لمصر، ولا سيما ليبيا، ويساهم ذلك في تسريب السلاح والإرهابيين إلى داخل مصر وخصوصاً إلى سيناء، وحدود مصر طويلة جداً ويصعب السيطرة عليها بشكل كامل، وفي ظل وجود بيئة داخلية حاضنة، حتى وإنْ لم تكن تشكل الأغلبية، إلا أنها تلعب درواً هاماً في تأجيج الاضطرابات وتصعيد أعمال العنف.
ثالث هذه الأسباب، القيود المفروضة على تحرك القوات المصرية في سيناء تبعاً لاتفاقات «كامب ديفيد»، حيث من غير المسموح لمصر بتواجد عسكري كبير، الأمر الذي مكّن الإرهابيين من تحويل سيناء إلى قاعدة لهم ينطلقون منها لشن الهجمات داخل سيناء وفي عمق المدن المصرية الأخرى.