تأليف الحكومة… مَنْ يصرخ أولاً…
هتاف دهام
لا جديد حكومياً تحت شمس الصراعات السياسية، وذهنية التعطيل والمناكفات. لم يطرأ أي جديد على صعيد الاتصالات الداخلية.
وبانتظار أن تُفعَّل الاتصالات في الأيام المقبلة في ضوء عودة الرئيس المكلف سعد الحريري أمس، من رحلته الخاصة إلى لندن، يسود اعتقاد أن التفاوض شديد التعقيد، وبات رهن معطيات خارجية قد ترجّح كفة المشهد السياسي لصالح فريق دون الآخر أو تُعيد تثبيت ركائز التسوية الرئاسية الحكومية، انطلاقاً من أن لبنان وجرياً على العادة يتأثر بـ«الطبيعة الإقليمية».
تكمن المشكلة، بحسب مصادر معنية بمشاورات التأليف لـ«البناء»، في ما يُسمى بالثلث المعطّل. وبينما يجهد حزب الله وحلفاؤه ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل للحصول على الثلث الضامن كضمانة سياسية لهم انطلاقاً مما أفرزته صناديق الاقتراع من نتائج على الصعيد البرلماني، فإن الرئيس المكلّف الذي قدّم أكثر من خيار وصيغة حكومية لن يسمح، بحسب مصادر قيادية في تياره، أن يمتلك أيّ مكوّن سياسي ورقة تعطيل مجلس الوزراء ساعة يشاء، خصوصاً أن الحكومة المرتقبة أمامها ورشة عمل طويلة تتصل بمشاريع ومقررات مؤتمر «سيدر»، لا سيما أن ما يسعى إليه النائب البتروني يصبّ في خانة المسّ بصلاحيات الرئاسة الثالثة.
بيد أن مصادر التيار العوني ترفض التصويب على رئيسها واتهامه بالتعطيل، متحدّثة عن قرارات خارجية تدعو الحريري إلى التروي في عملية التأليف، عملاً بقاعدة التشبث بأحقية القوات بمطالبها المضخّمة، مشيرة إلى أن مواقف بيت الوسط الداعمة لـ «السياسة القواتية» قطعت الطريق على لقاء الحريري باسيل.
وبالتالي، فإن ما قيل عن حلحلة للعقدة المسيحية في غير مكانه. لا يزال تكتل لبنان القوي على موقفه من اعتماد المعيار الواحد في اختيار الوزراء. لن يتنازل، بحسب مصادره، لمعراب عن حقيبتي الخارجية والدفاع، علماً أن مصادر بعبدا تؤكد أن الرئيس الحريري قد يزور القصر الجمهوري قريباً في حال طرأ أي مستجد إيجابي، لكنه لا يزال بعيد المنال.
لا تروق هذه الأجواء الملبّدة لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، لأن المماطلة في عملية التشكيل، قد تزيد الأمور تعقيداً في المرحلة المقبلة، وتفتح أبواب التدخلات الخارجية على مصراعيها، هذا فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تفترض المسارعة إلى إنقاذها.
وعلى هذا الأساس، يؤكد بري أمام زواره ضرورة أن تتشكل حكومة وحدة وطنية بأسرع وقت بعيداً عن التعنت والتمترس خلف التعطيل. فتأليف الحكومة حاجة لحماية الاستقرار ومواجهة التحديات والإيفاء بالالتزامات الدولية، لا سيما تجاه مؤتمر سيدر الخاص بدعم الاقتصاد وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية. وإذا صدقت النيات، فيمكن تشكيل حكومة خلال ساعات قليلة، لكن للأسف الامور تراوح مكانها، والعقد الداخلية على حالها.
وعلى قاعدة ما يرتضيه لنفسه يرتضيه لغيره، يدعو الرئيس بري المعنيين إلى التفاوض مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط. ما يعني، بحسب مصادر سياسية أن الرئيس بري مؤيّد لمطالب بيك المختارة ولن يسمح لأحد بتطويقه، فهو مع جنبلاط ظالماً كان أم مظلوماً.
حتى الساعة لا تزال مفاوضات التشكيل ضمن السقف الزمني المعقول. ولما كان الفرقاء جميعاً من دون استثناء يترقبون مآل الأحداث على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإن مسار التأليف سيكون وفق قاعدة مَن يتعب فيصرخ أولاً.