المطلوب الرهان على الذات الفلسطينية
رامز مصطفى
«أنا شخصياً لم أدع إلى انتفاضة ثالثة، لو كنت أردت لفعلنا ذلك خلال حرب استمرت 51 يوماً على غزة. ما أؤكده أننا لن نقوم بانتفاضة ثالثة، أنا بصراحة ضدّ هذا الخيار، وفي المقابل على إسرائيل أن تقوم بوقف الاستيطان. لو أردنا انتفاضة لدعونا إليها لكننا لم نفعل ذلك ويبدو أنّ نتنياهو قد نسي بأنّ طلقة واحدة لم تطلق من الضفة الغربية طيلة فترة الحرب على غزة. وأقول للشعب الإسرائيلي إذا حققتم السلام معنا سنأتيكم مع 57 دولة غربية وإسلامية ستعترف بكم فوراً وتطبّع علاقاتها مع إسرائيل بشكل فوري، لذلك اطلب من الشعب الإسرائيلي أن يطلب من حكومته أن لا تضيّع فرصة السلام لأنّ الأوضاع حولنا ستكون أسوأ بكثير». هذا ما أدلى به رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، للقناة العاشرة العبرية.
في ظلّ ما تتعرّض له القضية الفلسطينية وعناوينها، من عملية تصفية ممنهجة على يد قادة الكيان وحكوماته. ولعل الأبرز ما تعرّض له قطاع غزة من تدمير للحجر والبشر خلال 51 يوماً من العدوان الصهيوني عليه. والمعركة المفتوحة اليوم على أرض الضفة الغربية استيطاناً واعتقالاً واغتيالاً. وبالتالي الحرب التي يشنها نتنياهو وحكومته ومستوطنيه الإرهابيين، من أجل حسم المعركة في القدس والمسجد الأقصى تهويداً واستباحةً. يبقى ومن خلال ما تضمّنته مقابلة أبو مازن مع القناة العاشرة، أنّ الرهان الوهم والسراب على التسوية، وإمكانية تحقيق اختراق فيها، لا يزال قائماً على أساس الرؤية والخيار السياسي لرئيس السلطة. فكم من الشواهد يلزم بعد حتى يتأكد، أن لا جدوى ممكنة ولو بنسبة ضئيلة في إمكانية تحقيق ما يُسمى سلاماً، ألاّ تكفي السنوات الـ21 من عمر «اتفاق أوسلو». والخشية أن لا يبقى عندها شيء، تستطيع أن تطالب به السلطة والقيادة في رام الله، أو ما يتحدثون عنه مع الراعي الأميركي للمفاوضات.
إنّ تسارع وتطوّر الأحداث على أرض فلسطين ومن حولها، لا يحتمل الاستمرار في سياسة الرهان على المجتمع الدولي المحكوم بسقوف محددة من قبل الإدارة الأميركية، التي لا تسمح بأي شكل من الأشكال في تجاوزها. بل نحن في حاجة إلى الرهان على طاقات ومخزون الإرادة الفلسطينية التي أثبتت القدرة على التحرك والفعل، إذا ما أتيحت لها الإمكانيات ومن ثم الرعاية والإحاطة. وما شهدته وتشهده الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة وأراضي العام 1948، واليوم في القدس، خير دليل على أنّ شعبنا لا يزال متمسك بعناوينه الوطنية على أساس خيار المقاومة. وهي اليوم بعكس ما يحاول رئيس السلطة القول إنّ الانتفاضة لا أريدها، ولو أردتها لحركتها. فهي ليست ورقة في درج طاولة نخرجها متى نريد. أو محبوسة في فانوس يحكه رئيس السلطة فتخرج الانتفاضة، وهو لن يفعل لأنه ضدّ هذا الخيار. ومن يُتابع أنّ ما يجري على الأرض الفلسطينية وما يتعرّض له شعبنا من جرائم، يُدرك أنّ طنجرة الضغط الفلسطينية وصلت إلى مستوياتها العالية والعالية جداً. وعلى عكس المُشتهى، فمدينة القدس تعيش انتفاضة متصاعدة منذ اغتيال الشهيد المقدسي محمد أبو خضير حرقاً على يد مجموعة من المستوطنين الصهاينة. وبالتالي إلى ضرورة إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، وبناء المؤسسات الوطنية وفي مقدمها منظمة التحرير الفلسطينية.
على أهمية مخاطبة الرأي العام العالمي الذي يشهد تحوّلات، أثمرت تفهّماً أعمق لحاجات الشعب الفلسطيني، في أن تكون له دولة مستقلة. وبالتالي أسهمت في فضح الكيان الصهيوني وممارساته العنصرية التعسفية المجرمة ضدّ الشعب الفلسطيني، وأظهرت حقيقة ادّعاءاته الزائفة. الأهمّ من ذلك ما هي رؤيتنا وعناوين عملنا السياسي؟ القائمة على أساس ثوابتنا وحقوقنا المشروعة، وليست الممنوحة لنا من باب الصدقة أو الشفقة. وكيف نتصالح مع جموع شعبنا ونخبه على تنوّعها، وأن نسقط وهم الرهان على بؤسه وحاجته، وتوظيف حالة الإحباط لديه، ومحاولة فرض «ليس بالإمكان أفضل مما كان» لتبرير الاستمرار في الانحدار نحو مفاوضات عبثية عقيمة. وبالتالي أين كانت الدول الـ57 التي تحدث عنها رئيس السلطة، في مقابلته مع القناة العاشرة، خلال العدوان الصهيوني لـ51 يوماً على قطاع غزة، والتي أراد أن يُغري بها نتنياهو اعترافاً وتطبيعاً لعلاقاتها معه ومع كيانه. وكان نتنياهو وليفني قد سبقاه في القول «إنّ علاقاتنا مع الكثير من الدول العربية تشهد تطوراً ملحوظاً ومهماً»، حتى أنّ شمعون بيريز قال خلال العدوان على قطاع غزة «لأول مرة نذهب إلى الحرب ومعنا العديد من الدول العربية». ناهينا عن الموقف المعادي الذي تجاهر به الإدارة الأميركية ضدّ الفلسطينيين. إنما يؤكد أنّ الرهان أولاً وثانياً وثالثاً وحتى المائة يجب أن يبقى على ذاتنا الفلسطينية، وبعد المائة يأتي الرهان على الآخرين في المجتمع الدولي.
ومع كتابة الأسطر الأخيرة من المقالة، جاءت العملية البطولية ضدّ الحاخام الصهيوني المتطرف «أيهود غليك»، التي نفذها المقاوم المحرّر الشهيد البطل معتز حجازي، ابن مدينة القدس الذي ثأر من الحاخام وإرهابييه من المستوطنين الصهاينة، الذين يستبيحون المسجد الأقصى يومياً، وليس أخر جرائمهم أن أغلقوا المسجد وحتى إشعار آخر بينما هم يعيثون فساداً في داخله.
التحية لروح الشهيد المقدسي معتز حجازي الذي أرسل رسالة شعبنا إلى نتنياهو وحكومته الإرهابية، أنّ القدس والأرض الفلسطينية ستبقى حراماً عليكم طالما هناك نفس ودماء تسري في عروق هذا الشعب. والتحية لحركة الجهاد الإسلامي، مهنئاً إياها وشعبنا ومقاومته على العملية البطولية التي نفذها أحد أبطال شعبنا من سرايا القدس. والتي تزامنت مع حلول الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد القائد المجاهد الدكتور فتحي الشقاقي.