محاولة تحويل التهديد الأميركي إلى فرصة لن ينقذ الاقتصاد التركي
د. هدى رزق
من الواضح أن الرهان على الحل الدبلوماسي لحل الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة قد باء بالفشل. صعّد الرئيس رجب طيب أردوغان خطابه ضد الولايات المتحدة بعد قرارها فرض عقوبات على استيراد الالمينيوم والصلب، فيما ذهب الرئيس الأميركي الى التهديد بمضاعفة الرسوم على البضائع التركية التي تصل الى بلاده إن لم تطلق تركيا سراح القس الأميركي برونسون.
هدّد أردوغان بإنهاء تحالف تركيا مع الولايات المتحدة وتطوير علاقات استراتيجية مع روسيا والصين.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد صرّح في أنقرة ان روسيا مستعدّة لتطوير علاقات استراتيجية مع تركيا. ويعتبر هذا التصريح بمثابة دعوة الى تغيير انقرة استراتيجيتها، في الوقت الذي أصبح فيه برونسون رمز الاختبار الفعلي لمستقبل العلاقات التركية الأميركية بعد تراكم الخلافات الخطيرة حول قضايا جوهرية متعددة. منها رفض واشنطن تسليم الداعية غولن ودعمها وحدات الحماية الكردية في سورية التي تعتبرها تركيا تهديداً. تحريض انقرة على الولايات المتحدة واتهامها بدعم انقلاب تموز 2016 ضد أردوغان، وقرارها شراء النظام الدفاعي الروسي الصنع S-400 بعد رفض واشنطن تزويدها بالصواريخ البالستية، احتجاز القس الأميركي و20 مواطناً أميركيا إضافة الى موظفين اثنين يعملان في القنصلية التركية. أرادت واشنطن إطلاق سراح هاكان اتيلا مدير هالك بنك الذي يمضي عقوبة 32 شهراً في سجن نيويورك مقابل إطلاق برونسون، لكن مع عدم التراجع عن فرض الغرامة على البنوك التركية بسبب خرق هالك بنك العقوبات على إيران في عملية الذهب مقابل النفط، لذلك فشلت المحادثات مع الوفد التركي.
لا شك في أن إطلاق سراح برونسون في هذه الظروف سيبدو بمثابة خضوع أردوغان لأميركا وعدم إطلاقه سيعتبر تحدياً من أردوغان لترامب الذي كان يعتقد ان علاقته مع أردوغان ستسمح بالتبادل، الا ان تعنت أردوغان الذي ينطلق من فكرة راسخة ان واشنطن لن تتخلى عن الموقع الاستراتيجي لتركيا جعله يهزأ بجهود ترامب، لكن يبدو أن ترامب حازم في حرق صورة أردوغان الذي تمادى في الوقت الذي يتراجع فيه اقتصاده بسبب سياسات الحكومات المتتالية. ومن راقب الانتخابات التركية ومناظرات الأحزاب التركية يعي أن المشكلة الاقتصادية وسياسة الاستهلاك وعدم التركيز على الانتاج كانت محور المناظرات والنقد لسياسة العدالة والتنمية. اتهمت تركيا واشنطن باستعمال الأسلحة الاقتصادية، وحاول أردوغان تحويل المشكلة الاقتصادية التركية لشأن سياسي بحت دون البحث بالأسباب البنيوية للاقتصاد التركي والسياسات المتبعة. فدعا الأتراك إلى استبدال دولاراتهم ودعم الليرة. وأعلن انه سيفرض التعريفات الجمركية على الواردات الإلكترونية الأميركية، لكن لم يحرّك المواطنون دولاراتهم خوفاً من التدهور الأكبر. وقع ترامب قانون الدفاع الوطني لعام 2019. وهو يعني مراجعة من البنتاغون في غضون 90 يوماً للعلاقات التركية الأميركية قبل تسليم مقاتلات 35F-، لكنه لم يوقف التدريبات المتفق عليها. حاول الجانب التركي مناقشة هذه المسألة مع جون بولتون مستشار الرئيس للشؤون الأمن القومي، لكن واشنطن لا تناقش اي موضوع قبل تسليم برونسون.
استنجد أردوغان بأوروبا التي تملك استثمارات ضخمة في تركيا لا سيما المانيا المتضررة من سياسة ترامب الحمائية ضد أوروبا. نصحته بكفّ يده عن البنك المركزي وإطلاق سراح الجنود اليونانيين المحتجزين بغرض التبادل مع ضباط لجأوا الى اليونان في اعقاب الانقلاب في 2016 كما انه اطلق سراح احد الناشطين الاساسيين في حقوق الانسان بعد احتجاز دام عاماً بتهمة الانتماء الى جماعة غولن، كما نصحه الرئيس الفرنسي ماكرون بالتجاوب مع ترامب بدلاً من مجابهته.
تخشى المانيا تدهوراً كبيراً في وضع الليرة التركية خوفاً من هجرة الاتراك الى المانيا. وهي التي كانت دعت تركيا عندما تحسن اقتصادها في 2010 الى استرداد قسم من المهاجرين الأتراك الى المانيا. الا انها اليوم تخشى تسرُّب الإرهابيين الى اوروبا عن طريق تركيا. فتركيا المستقرّة هي مصلحة اوروبية.
لعبت وزارة الخارجية والجيش في تركيا تقليدياً والبنتاغون والجيش في الولايات المتحدة أدواراً مركزية في الحفاظ على العلاقات الجيدة بين البلدين ومنع الخلافات من التفاقم ولكن مع حصر كل السلطات في يد أردوغان أصبح الأمر صعباً. وهو لم يكلف الدبلوماسيين المختصين بمهمة محاولة حل هذه الأزمة. بل ذهب الى التهديد بالبحث عن حلفاء جدد. من المعروف ان الانتخابات التركية قد أجريت مبكراً بسبب توقع الازمة الاقتصادية ومعظم من أعطى صوته لأردوغان فعل لأنه كان يفضل ان يقوم أردوغان بإخراج البلاد من المأزق. أما الحوافز التي قدمها أردوغان خلال الانتخابات الى المتقاعدين فذهبت أدراج الرياح.
استعان بقطر التي قرر أميرها استثمار 15 مليار دولار في تركيا. وهناك معلومات بأن البرازاني ساهم باستثمار قدره 10 مليارات. الأمر الذي ساهم بتهدئة الاسواق مؤقتاً. تراجعت لهجة وزير الخارجية التركي الذي دعا الولايات المتحدة الى عدم استخدام لغة التهديد من أجل الحوار بين البلدين بعدما رفع ترامب السقف. في المقابل قالت وزيرة التجارة التركية إنها ستقاضي أميركا لدى منظمة التجارة العالمية.
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد أوضح قبل أسبوع أن تركيا ستدعم علاقاتها مع الصين. وألحق تصريحه هذا بآخر حول دعم تركيا لمسلمي الروهنجا، ظل صامتاً على محنة الأيغور في الصين، الذين يعتبرهم الأتراك أقرباءهم. لأن تركيا قد حصلت على تأمين حزمة قروض بقيمة 3.6 مليار دولار في الشهر الماضي من الصين، كما حصلت على تسهيلات التأشيرة الصينية لرجال الأعمال الأتراك.
ترى المعارضة التركية أن دعوة أردوغان واشنطن مؤخراً إلى «التخلي عن الفكرة المضللة التي مفادها أن علاقة تركيا لا يمكن أن تكون غير متكافئة وتتفق مع حقيقة أن لدى تركيا بدائل». هي سياسة خاطئة لأن العلاقات التركية الصينية لا بدّ أن تكون غير متكافئة، سياسياً واقتصادياً. وإذا أرادت تركيا أن تكون على علاقة جيدة مع الصين، فعليها أن تنسى الأيغور الأتراك يعني نهاية للسياسة الخارجية القائمة على القيم، التي يقول أردوغان إنه يتبناها. أما العلاقة التركية الروسية فهي أيضاً علاقة غير متكافئة. وأن على تركيا ان تستمد قوتها من الموازنة بين مختلف الجهات الدولية والإقليمية.