نتائج عملية إدلب رهن تفاهم روسيا وتركيا
د. هدى رزق
أشار لافروف الى أن موسكو بدأت تفقد صبرها مع مقاتلي إدلب الذين اتهمهم الكرملين باستهداف مواقع الحكومة، وكذلك القاعدة العسكرية الروسية في سورية. لا يزال الحوار جارياً بين روسيا وتركيا حول تمييز «المعارضة المعتدلة» عن «الإرهابيين» في إدلب. وهي آخر معقل للمسلحين بعد إخلائهم درعا والقنيطرة، تتجه الأنظار الآن إلى تركيا التي تحيط إدلب بـ12 مركز مراقبة. لا شك في أن الوضع في إدلب «معقد»، لذلك دعا لافروف إلى فصل الإرهابيين عن جماعات المعارضة التي يمكنها الحوار مع الدولة السورية.
تتصادم الجماعات المتمركزة مع بعضها البعض اما نقاط المراقبة التركية فهي معززة بأسلحة ثقيلة، لكنها لا تصمد إذا بدأت المعارك. تريد تركيا إنشاء جبهة مشتركة مع المنظمات التي تسيطر على أجزاء من إدلب.
من الواضح أنه ليس لدى تركيا خطط لترك المناطق التي تسيطر عليها وهي مشغولة بمحاولة دمج المجموعات المتصارعة تحت سقف واحد. هدف أنقرة هو تحرير هذه الجماعات من التسمية الإرهابية وإثبات أنها أصبحت محاوراً معقولاً. تريد ضم هذه الجماعات إلى «جبهة التحرير الوطني». وهي ائتلاف تشكل في مايو / أيار تحت رعايتها، وتسليم أسلحتها الثقيلة إلى الجيش التركي. اما روسيا فهي تدعم هذا الخيار لذلك طلبت من أنقرة التوصل إلى حل لإدلب قبل قمة 7 سبتمبر بين تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا. تحرّكت تركيا لجمع الجماعات المسلحة تحت قيادة واحدة في جبهة وطنية.
طلبت أنقرة من «هيئة تحرير الشام» التي تعتبر مجموعة إرهابية، أن تنضم إلى جبهة التحرير الوطني، لكن الأخيرة لم تفعل. اما أحرار الشام ونور الدين الزنكي – فهما – شكلا جبهة تحرير سورية في فبراير/ شباط. انضمت جماعات اخرى بما في ذلك بعض المنتسبين إلى جماعة الإخوان المسلمين، إلى جبهة التحرير الوطني في شهر آب. وهكذا تعتبر تركيا أنها تدير جيشاً من 85 ألف مقاتل..
معظم الجماعات المتطرفة لها علاقات خارجية وموارد مالية خاصة بها. أما الذين يوالون تركيا فهم أولئك الذين شاركوا في «الجيش الوطني السوري». وهو فرع من الجيش السوري الحر الذي شارك في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون في سورية. تضمن تركيا ولاءهم من خلال دفع رواتبهم وتوفير الذخيرة لهم كذلك الدعم اللوجستي أثناء تجهيز وتدريب هذه المجموعات في منطقة عمليات درع الفرات.
لكن رغم تظاهر الجماعات الإرهابية المتطرفة بالاعتراف بتركيا إلا انها تسعى الى اعداد غرف العمليات المشتركة من أجل الحرب المقبلة. يوجد ضمن هذه الجماعات عشرات الألوف من الأجانب، مقاتلون اوزبك ومن قرغيزستان. وحزب تركستان الإسلامي الأيغوري، الذي تلاحقه الصين في تركستان الشرقية، كما يسيطر الأيغور على مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب.
من المرجّح أن تشكل قمة تركيا – إيران – روسيا في طهران في نهاية الشهر وقمة اسطنبول في سبتمبر استراتيجية إدلب.
ومع أنه من المؤكد أن مصير إدلب قد حُسم. فهذه المنطقة ستكون آجلاً تحت سيطرة الدولة السورية، لكن المشكلة هي في كيفية السيطرة عليها. المهم بالنسبة لتركيا ألا يلجأ اليها مزيد من اللاجئين لا سيما وان هناك عائلات نزحت اليها مع المسلحين، لكن ستعتمد النتائج إلى حد كبير على التفاعل بين روسيا وتركيا،
يدرك الروس أن معركة إدلب لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب. لا يريد الأتراك المخاطرة بتدفق آخر من اللاجئين إلى تركيا، الأمر الذي من شأنه أن يقوّض سياستهم في إعادة العديد من ملايين اللاجئين الموجودين في تركيا. تعتمد اذاً روسيا على تركيا لإدارة المعارضة وتركيا تعتمد على روسيا للضغط على الدولة السورية. فهي التي درّبت وجهّزت العديد من الميليشيات المعارضة في إدلب، يمكنها أن تجعل هذه الجماعات تفاوض الدولة السورية أو تضع أسلحتها في نهاية المطاف لدعم اتفاق سلام يتفق عليه الطرفان.
حتى الآن، تمكنت تركيا وروسيا من تجنّب مسألة إدلب وتحقيق وضع هش. فالتعاون التركي الروسي حول إدلب منطقي. يحافظ هذا النهج على مستوى من الاستقرار لكنه لا يحلّ القضايا الرئيسية للحرب. ربما يريد الروس من القوات الحكومية السورية شنّ هجوم مرحلي بدءاً بجسر الشغور ومناطق اللاذقية بالقرب من الحدود التركية. وذلك لزيادة الضغط على أنقرة من أجل الضغط على المعارضة المسلحة. لكن الهجوم على إدلب، سيحمل تركيا على الخيار بين الدفاع عن هذه البؤر أو الانسحاب، لدى أنقرة مصلحة في تعزيز الدفاعات لحماية المواقع التي تتحصّن بها، لكن إذا اشتدت المعارك فيمكنها الانسحاب.
يرى كل طرف منفعة في تدخل محدود في إدلب. بالنسبة لروسيا وسورية، سيزيد الهجوم في وقت واحد من الضغط على تركيا. أما بالنسبة للأتراك، فيمكنهم إجراء الاستعدادات لمنع حركة اللجوء عبر الحدود. يمكن استخدام صراع محدود على طول محيط إدلب بشكل فعال للتفاوض مع الحلفاء والأعداء المختلفين حول النتيجة النهائية. سيبدأ الخطر إذا فشلت هذه الجهود في إنتاج معارضة معتدلة مستعدّة لتقديم تنازلات للدولة السورية وموسكو، فيصبح التصعيد في إدلب حتمياً وستضطر سورية إلى إعادة فرض سلطتها على طول حدود البلاد.
تستفيد دمشق من الرعاية الروسية والضمانات الأمنية. لكن في غياب اتفاق روسي تركي قوي يعالج المخاوف السورية الأمنية الأساسية يبعث على القلق، مما يؤدي إلى نهج عنيف لحل قضية إدلب. ومن شأن الهجوم المدعوم من روسيا أن يضغط على الجماعات المرتبطة بالقاعدة كما تريدها الولايات المتحدة، لكن الأمر سيؤدي الى معاناة إنسانية.