الحكومة معلّقة حتى إشعار آخر… وحرب الصلاحيات ذريعة انتظار… متغيّرات! بري يحذر من التأخير اقتصادياً… والحريري يستنفر على زيارات الوزراء لدمشق

كتب المحرّر السياسيّ

تنعقد اليوم في طهران القمة الثلاثية التي يشارك فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب أردوغان والرئيس الإيراني حسن ورحاني، وتنتظر نتائجها عواصم الغرب التي استنفرت سياسياً وهددت عسكرياً مع اقتراب ساعة الصفر في إدلب لبدء المعركة التي قال المسؤولون السوريون إنها استحقاق لا مفر منه، بينما ينعقد مجلس الأمن الدولي بدعوة من واشنطن التي تترأس المجلس لهذا الشهر، وتتضمن الدعوة طلب إصدار قرار أو بيان يطلب وقف معركة إدلب.

المصادر المتابعة للمشهد الدبلوماسي والعسكري والسياسي المتصل بمعركة إدلب، تؤكد نجاح قمة طهران بالتوافق على خوض المعركة، بعد تصنيف تركيا لجبهة النصرة كتنظيم إرهابي، وعجزها عن تقديم حل سياسي أمني ينهي وجود هذا التنظيم. وقالت المصادر إن الاتجاه هو لتقسيم المعركة إلى مراحل تتيح التحكم بحركة المدنيين بهدف تحييدهم عن الأضرار التي يتسبّب بها العمل العسكري، فتترك لهم دائماً ممرات آمنة ومناطق آمنة، بينما تتيح عملية التجزئة على مراحل تصفية الجيوب التي يتمركز فيها الإرهابيون الأشد خطراً، بتعاون سوري روسي إيراني ومشاركة قوى المقاومة، خصوصاً في جبهتي جسر الشغور وريف حماة الشمالي وصولاً لطريق حماة حلب، فيما تتولى تركيا إدارة عمليات الاستيعاب الأمنية للعملية العسكرية من انشقاقات في الجماعات المسلحة أو مساعٍ للتسويات. وعن اجتماع مجلس الأمن قالت المصادر إنه سيكون كجلسات سابقة منصة لتبادل الاتهامات وتلاوة البيانات السياسية، ولن يخرج بتوافق على بيان أو قرار.

لبنانياً، باتت المراوحة في الشأن الحكومي قراراً سياسياً واضحاً بعدم تشكيل الحكومة لدى فريق الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، من خلال ما أوضحته الحملة التصعيدية المنظمة والتي أعطيت قصداً عنوانين يتيحان تصعيدها وإطالة أمدها، هما البعد الدستوري الاستفزازي بتصوير مشاركة رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة اعتداء دستوريا على صلاحيات الرئيس المكلف، وبمنح هذا الاستفزاز الدستوري بعداً طائفياً متعمّداً ظهر من نوعية الاجتماعات والبيانات التي رافقتها بصورة تهدف لخلق احتقان يطيل أمد الانتظار، ويصعب سحبه من التداول وإطفاء النيران التي يشعلها بسرعة، وهو ما وصفته مصادر معنية بمساعي تشكيل الحكومة بانتظار قرار خارجي أكثر مما هو تنفيذ لقرار خارجي. فالتشكيل يبدو بحاجة لقرار لم يصدر بعد بانتظار اختبار حسابات ورهانات منها المحكمة الدولية ومنها العقوبات على إيران وحزب الله. وربما منها الرهان على موقف تركي معرقل في معركة إدلب. وهذه الرهانات تفسر التعطيل الذي أصاب محادثات جنيف الخاصة باليمن بلا أسباب مقنعة، والرئيس المكلف لا يريد اصطداماً بصاحب القرار السعودي بعد التجربة المرة التي عاشها من قبل.

القرار بالتعايش مع مرحلة طويلة بلا حكومة، لم تغير فيه تحذيرات رئيس مجلس النواب نبيه بري من مخاطر تحيط بالوضع الاقتصادي، ولا حرّكت مساعي التأليف دعواته للتنازلات المتبادلة وإشاراته للحاجة للحكومة أمس قبل اليوم، فذهب الرئيس المكلف باتجاه المزيد من المعارك الجانبية المفتعلة التي تؤكد نيات التوتير بحثاً عن أعذار التأجيل، مستنفراً على زيارة عدد من الوزراء العاصمة السورية ومشاركتهم في افتتاح معرض دمشق الدولي، واصفاً هذه الزيارات بأن لا قيمة قانونية لها، وأنها تلزم أصحابها ولا تلزم لبنان بشيء، بينما يعلم الرئيس المكلف أن الاتفاقات التي وقعها وزراء لبنانيون سواء من هم في دمشق أم لا، سواء في مجال الكهرباء أو في المجال الزراعي والتجاري تمّت بعلم مجلس الوزراء وموافقته، والتصعيد الحالي ليست له أي معانٍ قانونية بقدر ما هو افتعال لسجال في السياسة، وفقاً لمصادر وزارية تشارك في الأنشطة التي تنظمها الأجنحة اللبنانية المشاركة في معرض دمشق الدولي.

«المستقبل»: الطائف خط أحمر ونقطة عالسطر

يبدو أن سياسة التعطيل وتضييع الوقت التي ينتهجها الرئيس المكلف سعد الحريري منذ تكليفه مدعوماً من جوقة «رؤساء الحكومات» السابقين الذين يجتمعون «غب الطلب السعودي» مستمرة حتى تبيان الخيط الإقليمي الأبيض من خيطه الأسود، إذ إن افتعال خلاف على تفسير الطائف وحرب الصلاحيات الدستورية الافتراضية والمصطنعة بين الرئاستين الأولى والثالثة خطة مدبّرة للتغطية على العرقلة الخارجية والسعودية تحديداً لولادة الحكومة العتيدة. فالرئيس سعد الحريري لا يستطيع الخروج عن الفلك السعودي بعد إعادته بقوة الاحتجاز والتهديد الى بيت الطاعة الملكي في تشرين الثاني الماضي، ما يؤشر الى أن لا حكومة في الأمد المنظور وما على اللبنانيين إلا الانتظار والتخبّط في أزماتهم حتى تُفرج السعودية عن حكومتهم.

وباستثناء التواصل بين الرئيس المكلف وعين التينة عبر زيارة قام بها وزير المال علي حسن خليل الى بيت الوسط، بحضور الوزير غطاس خوري حيث تمّ البحث بالمستجدّات والاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة، لم يُسجّل يوم أمس أي جديد على صعيد تأليف الحكومة مع ترقب للقاء بين الرئيسين ميشال عون والحريري للبحث في تشكيلة الأخير الجديدة، قبل أن يغادر عون مطلع الأسبوع المقبل الى بروكسيل في زيارة تستمر يومين يلبّي خلالها عون دعوة البرلمان الأوروبي لإلقاء خطاب فيه ويلتقي عدداً من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي ويناقش معهم ملفات أهمها ملف النازحين، كما يغادر الحريري الى لاهاي الاثنين المقبل لمتابعة جلسات المحاكمة في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

واستمرت حملة السجالات المتبادلة على جبهة الرئاستين الأولى والثالثة وعلى محاور التيار الحر تيار المستقبل والقوات اللبنانية، فردّ تلفزيون المستقبل في مقدمة نشرته الإخبارية على مقدمة نشرة أخبار قناة «أو تي في» المسائية أمس الأول، مشيراً الى أن «اتفاق الطائف خط أحمر والاستقرار السياسي خط أحمر وطريق العودة بالزمن الى الوراء مقفل بإرادة اللبنانيين وصيغة الوفاق الوطني، فليسمع من يريد ان يسمع، ونقطة على السطر». ولفتت قناة المستقبل الى أن «لا نزاع صلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، لان النزاع على الصلاحيات غير موجود اساساً في قاموس الرئيسين العماد ميشال عون وسعد الحريري، لكنه موجود في خزائن التحريض على فتنة دستورية، تَستدرجُ البلادَ اليها، أصوات وأقلام وتقارير وتغريدات، تعمل على إغراق البلاد بوهم العودة ثلاثين عاماً الى الوراء».

عون: لن أخضع لن أوقّع…

في المقابل حافظت بعبدا على صمتها لليوم الثالث على التوالي. فقد قالت كلمتها في البيان الرئاسي ومشت، وقد أشارت أوساط سياسية مقربة من رئيس الجمهورية لـ «البناء» الى أن «الرئيس عون الذي لم يتهاون باستحقاق رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب والانتخابات النيابية لن يفرّط باستحقاق تأليف حكومة العهد الأولى ولن يوقع إلا على صيغة تحترم القواعد التمثيلية والتوازنات، ولن يخضع لأي ابتزاز أو ضغوط داخلية أم خارجية، فهو واجه حروباً وأزمات في العقود الماضية وكان محاصراً من قوى عدة في الداخل والخارج، فلن يتنازل اليوم وهو في سدة الرئاسة الأولى ولديه تكتل نيابي كبير وتحالفات سياسية ووطنية واسعة». وأوضحت الأوساط أن «الرئيس عون سيستكمل التشاور مع الحريري وسيأخذ وقته قبل أن يبادر الى اتخاذ إجراءات دستورية ضمن صلاحياته لدفع عملية التأليف الى الأمام، فالرئيس ملزم بالاستشارات النيابية وليس بالتوقيع على الحكومة»، مشيرة الى أن «الرسالة للمجلس النيابي أهم الخيارات التي قد يلجأ اليها لمصارحة المجلس حول ظروف التأليف». وتوضح الأوساط أن «عون مقتنع بحكومة وحدة وطنية. وهذا ما يحتاجه عهده للنهوض في ظل الظروف الراهنة». وعن حصة رئيس الجمهورية بينت بأن «لا نص دستوري يتحدث عن هذا الأمر، لكنّ هناك عرفاً تكرّس منذ اتفاق الدوحة حتى الآن».

«القوات»: لن نتنازل أكثر

أما في معراب فلم يتغير الموقف، الذي يجهد لتحميل التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية مسؤولية التعطيل والدفاع عن رئيس الحكومة. فرأى النائب السابق فادي كرم، أن «هناك محاولة لفريق رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لزيادة التسلّط على الحكومة ووضع يده على قراراتها، ومصادرة صلاحيات الرئيس المكلف». وكشف أن «القوات» «لن تبادر اليوم إلى وضع أي حلول وأي تنازلات جديدة».

وبري يُحذّر…

من عين التينة أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام نقابة المحررين جملة مواقف من الأزمة الحكومية، فأشار الى أن «الحكومة كان يجب ان تشكل البارحة قبل اليوم واليوم قبل الغد، لأن ظروف التمهل بالتشكيل ليست كما في الحكومات السابقة، فالوضع الاقتصادي خطير ولم اقصد بذلك الوضع النقدي». واضاف «قلت للحريري اننا وحزب الله سنسهل التأليف ولا نريد الا حصّتنا رغم ان كتلة التنمية والتحرير هي ثالث اكبر كتلة في المجلس وأنا كنت أريد تأليف الحكومة قبل الفطر». ورداً على سؤال عن التدخلات الخارجية، أجاب «اعتدنا دائماً أن نضع الحق على «الطليان» وأنا لم ألمس هذا الأمر. ولفت بري الى ان «الوضع الأمني هو العلامة الفارقة وما يحزن أكثر أن الأمن عندنا هو أفضل من أي أمن حولنا ولا ينعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي».

وأكد أن «من حق رئيس الجمهورية توجيه رسالة الى مجلس النواب ورئيس المجلس عليه وفق الصيغة القائمة ان يقوم بالتدبير المناسب».

أما نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي، فقال بعد انتهاء جلسة اللجان النيابية المشتركة إن مراسلة البرلمان «جزء من صلاحيات الرئيس الدستورية، وعندها على رئيس المجلس والمجلس أن يخضعا هذه الرسالة للمناقشة في جلسة يدعو إليها الرئيس بري».

لبنان يشارك في معرض دمشق الدولي

وفي ظل هذا الواقع الحكومي المأزوم، تبدو أن إعادة العلاقات اللبنانية السورية الى طبيعتها ومصالح اللبنانيين والتحاق لبنان بقطار الإعمار في سورية لم يعد يحتمل انتظار ولادة الحكومة الجديدة، وقد سجلت في اليومين الماضيين زيارات لعدد من الوزراء في حكومة تصريف الأعمال من كتل سياسية مختلفة الى العاصمة السورية دمشق مثلوا لبنان في الدورة الستين لمعرض دمشق الدولي برعاية الرئيس بشار الأسد وحضور رئيس الوزراء عماد خميس ومشاركة مئات الشركات السورية والعربية والدولية. فبعد وزيري الصناعة والزراعة حسين الحاج حسن وغازي زعيتر، توجّه وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس أمس، إلى دمشق للقاء وزير النقل السوري علي حمود، والمشاركة في فعاليات معرض دمشق الدولي، كما وصل أيضاً وزير السياحة افيديس كيدانيان.

في حين رأت مصادر في 8 آذار أن «هذه الزيارات طبيعية في ظل حاجة لبنان الى سورية وحاجة البلدين لبعضهما البعض في مختلف الصعد، لا سيما في أزمة النازحين السوريين والموضوع الاقتصادي في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان»، لفتت الى «ضرورة تفعيل هذه العلاقة الآن وتتويجها رسمياً بين الحكومتين عندما تشكل في الحكومة المقبلة»، وفيما لم يخرج موقف رسمي من رئاسة الحكومة حيال الزيارات، أشارت مصادر تيار المستقبل الى أن «هذه الزيارات تلزم أصحابها فقط ولا تلزم الحكومة ورئاستها وأطرافها كافة».

وأكد وزير الصناعة الدكتور حسين الحاج حسن أنّ معظم القوى السياسية اللبنانية تؤيد إقامة علاقات طبيعية مع سورية، داعياً إلى التعاطي مع مرحلة إعادة إعمار سورية «بمسؤولية» وليس انطلاقاً من مواقف سياسية. وقال الحاج حسن في مقابلة مع «البناء» صفحة 6 : «جئنا إلى دمشق تلبية لدعوة وجّهت إلينا من الجهات الحكومية السورية المعنية، كما أنّ الجدل الذي يثيره الفريق الآخر حول زيارتنا هذه هو غير مبرّر، لأنّ سورية ولبنان دولتان جارتان صديقتان لهما علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية وبينهما تمثيل دبلوماسي واتفاقيات على كلّ المستويات».

وأشار الحاج حسن إلى «أنّ خسائر لبنان بسبب الحرب السورية بلغت، بحسب أرقام البنك الدولي، 18 مليار دولار. أما خسائرنا بسبب إقفال معبر نصيب عبر سنوات الأزمة فهي تتراوح بين 6 و8 مليارات دولار خلال سنوات، بالإضافة إلى خسائر تكبّدناها بسبب إقفال معبر التنف على الحدود السورية العراقية».

وقد افتتح المعرض مساء أمس، برعاية الرئيس الدكتور بشار الأسد ممثلاً برئيس الوزراء السوري المهندس عماد خميس، بعنوان «عزّ الشرق أوله دمشق»، بحضور وزراء ونواب وشخصيات سورية وعربية وغربية سياسية ودبلوماسية ورؤساء الوفود الاقتصادية.

الجيش: نرفض المسّ بسيادتنا…

على صعيد آخر وبعد المخاوف التي أثارها الرئيس بري من نيات إسرائيلية للاعتداء على الثروة النفطية اللبنانية في بلوك رقم 4، أشارت معلومات بأن «الجيش رفض خلال الاجتماع الثلاثي في الناقورة برئاسة قائد قوات اليونيفيل اللواء «ستيفانو دل كول» جميع محاولات العدو الإسرائيلي المس بسيادة لبنان على أراضيه ومياهه البحرية وثرواته النفطية أو الانتقاص منها، مؤكداً الموقف الحازم في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي تنفيذاً لقرار مجلس الأمن المركزي».

الى ذلك، كرّر كيان الاحتلال تهديده للبنان، لكن اللافت هو تهديده الجيش اللبناني، وقد هدد مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع بضرب لبنان وبناه التحتية في أي نزاع مقبل مع «حزب الله»، مدعياً أن «الأخير يسيطر فعلياً على الجيش اللبناني، وإسرائيل لن تفصل بينهما حال نشوب حرب جديدة». وقال المسؤول في القيادة الشمالية في جيش الاحتلال، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، في حديث لصحيفة «هآرتس»، أمس: «إن التفريق الذي قمنا به بين حزب الله ولبنان خلال الحرب اللبنانية الثانية عام 2006 كان خاطئاً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى