«مركز فيينا لفنّ الخط»… بصمة وقار على جبين مدينة الفكر

طلال مرتضى

لعلّ الخطوة التي عبرت لم تكن ولن تكون الأخيرة، لكن ما يميّزها وسيبقى يميزها عن سواها، الحضور أولاً ثم البصمة التي أشي بأن رهجة سطوتها في الساحة ستبقى طويلاً… «فيينا» مدينة الفكر والفنّ، نامت متهادية مع أناها بعدما وضعت زاد حضورها الرخيم تحت وسادة اكتمالها المكتنز بمفاتن الضوء، الحكاية لم تكن ضرب مصادفة، فقد أولم لها عرابها كل ممكنات النجاح من ألف الحضور إلى نون الفنّ، فهولم يرد لها عبوراً عادياً، بل كان ينهج سبل الديمومة التي أشي بأنه حصل عليها من ليلتها الأولى…

الفنان التشكيليّ العربي عبد الوهاب مسعود وبعد انتظار ودأب مكين وصل إلى ما يصبو إليه، فحلمه القديم لم يعد حلماً، صار حقيقة مطلقة، واقعاً تدعم حضوره فتنة الصور.

كسابقة فنية تحسب لفنان تشكيليّ نمساوي من أصول عربية ـ أدلي بأن في الحكاية من المفاخرة ما يملأ الحواس حدّ التبختر، ظل السباق الكوني للتقانة والثورات الرقمية الكبيرة والمهيبة، فبعد حراك وحضور طويل على الساحة الفنية العالمية التي تجلّت بمشاركات فردية وجماعية، توقف عند نقطة الوصول بعد أن توارى لشهور عدة من غير عذر، ليفجر مفاجأته المكينة وهي افتتاح «مركز فيينا لفنّ الخط» في فيينا أوVienna Calligraphy Center، دلالة الاسم تماهت تماماً مع المكان. فالمكان تم الاشتغال عليه بعناية عارف، عندما سخّر الطابق الأرضي كلّه لهذه الفكرة والتي زادت مساحته عن أكثر من مئتي متر على الأقل في وسط المدينة العامرة. هذا عدا الحديقة المجانبة للمركز والتي هي قطعة منه، الترتيبات القائمة في المكان أعطت صبغة تاريخية لتتماشى مع كلمة متحف بعينها، بدءاً من لون الجدران ونوعية الأخشاب المستعملة والألوان والزوايا، كان كل شيء يشي بأنه وجد هنا بما يتناسب مع عمر المدينة الآبدة بحضورها الفني والفكري.

الافتتاح هو ما كان مختلفاً عما كنا نعاين من معارض سالفة، فقد دعي للمشاركة عدد كبير من المهتمين بفنّ الخطّ من دول عديدة من العالم، فالمركز بعينه وحّد في تلك الأمسية كرة الأرض. ولقد وصل المشاركون من دول عدة، فمنهم من شارك من النمسا، إيران، ألمانيا، استراليا، أميركا، فنلندا، بولندا، سويسرا، هولندا، سورية، ايطاليا والأردن وكان من ضمن المشاركين مساعد رئيس كل من جمعية «ارسكربندي الألمانية» و»جمعية فنّ الخطّ السويسرية».

بلدية الحي الثاني عشر مايدلينغ/ فيينا، لم تكن بعيدة عن الحدث، فهي تدرك ما تعني تلك الخطوة، من باب أن فيينا كعامرة، مدينة تنحو إلى الواجهة الأولى من الحراكات الفنّية بما يخصّ التشكيل والفنّ المحمل على الموسيقى والمسرح، لهذا لم يكتفوا بالحضور فقط، بل ساهموا بشكل فعلي بدعم مشروع التشكيليّ العربي النمساوي عبد الوهاب مسعود، فكانت الرعاية الناجحة للمشروع، حيث قامت رئيسة بلديتها كابيرلا فوتفا بفتح باب الصالات بعد كلمة مقتضبة عن فكرة المركز منها ومن الفنان مسعود مع وصلة فنية لدقائق عدة لشاب من يضرب على الرق العربي أو ما نطلق عليه في بلادنا في المولويات «المزهر»، ليقف الحضور المتنوع الجغرافية والمشارب أمام دهشة ما وصل إليه من حصاد ثمين الفنان عبد الوهاب مسعود.

فكرة:

تم تأسيس «مركز فيينا لفنّ الخطّ» في عام 2018 من قبل عبد الوهاب مسعود كمبادرة خاصة ثقافية غير ربحية لترعى الحراك الفني والثقافي المرتبط بفن الخط، وتهدف إلى توعيه الجمهور بهذا الفن وبيان أهمية النصوص المكتوبة بخط اليد، وتعزيز الاهتمام بالكتابة اليدوية. من خلال نشاطاته يهدف المركز بإطلاق ورش عمل وتدريس أساليب الكتابة باللغات المختلفة التي يتكلمها ويتقنها أعضاء جمعية فيينا العالمية لفن الخط، وذلك في خطوه تهدف إلى تعريف المجتمع المحيط بنا بهذا الفن والنشاطات التي سيقدمها المركز من اجل تعزيز أهمية التعددية اللغوية والتفاهم بين الثقافات.

بنيت أساسات بناء الصالة عام 1894 وتم الانتهاء من ترميم البناء عام 2008 مع المحافظة على شكلها الخارجي وإضافة بعض التعديلات الحديثة لتتناسب مع فكره عرض القطع الفنية ليشعر الزوار بحميمة المكان.

كاتب سوري/ فيينا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى