قمة اسطنبول.. أردوغان وعقدة «الكرد»
نظام مارديني
بالتزامن مع انعقاد قمة اسطنبول لمناقشة الأزمة السورية، التي جمعت بالإضافة إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية، انجيلا ميركل. بالتزامن مع هذه القمة اعتدى الجيش التركي بنيران مدفعيته على مواقع لوحدات حماية الشعب الكردية في منطقة عين عرب شمال سورية، معتبراً أردوغان في كلمته في قمة اسطنبول أن «لا فرق بين الإرهاب في مناطق شرق الفرات وغربه».. هكذا إذاً.. التصويب على «إرهاب» كرد سورية كان مناسباً في توقيته!
فلهذا العدوان التركي دلالاته في هذا الوقت، بعدما كانت العصابات الإرهابية التابعة لأنقرة تقوم بالمهمة التركية، ومع هذا العدوان يمكننا القول إنه من الضروري الاعتراف بنجاح أردوغان بتصوير «حروبه» ضد الأكراد على أنها لخير «الأمة التركية»، خصوصاً حربه ضد كرد سورية، فهو يسوّقها داخلياً على أنها حروب على الإرهاب، بخاصة في ضوء صمت الغرب الذي يكيل بمكيالين مع أكراد سورية ولا يقف بوجه أردوغان و»حروبه» المزعومة ضد الإرهاب في مناطق احتلالاته.
يراد لخريطة الشمال السوري أن تتغيّر مع استمرار معارك ريف حلب التي يخوضها أردوغان عبر تنظيمي النصرة وداعش، والهدف قوات «قسد» و»وحدات حماية الشعب» الكردية.. أردوغان الذي لم يبقَ لديه سوى ورقة عسكرية واحدة وهي دعم الجماعات الإرهابية في ادلب وضرب أكراد سورية.. يسعى لإثبات وجوده في مقبل الأيام، وهو لذلك يحضّر نفسه ويعزّز شروط حضوره.. إنها الوليمة السورية المغمّسة بدماء أبنائها!
آن الأوان لـ «قسد» و»وحدات حماية الشعب» وما يسمى بـ «الادارة الذاتية غي القامشلي » أن يدركوا أن الرهان على الأميركي هو رهان على حمار خاسر، وأن السيادة السورية ليست انتقائية كأن يسمح لقواعد أميركية في شمال شرق سورية وغيرها.. السيادة شيء مقدّس وهي يجب أن تكون بمواجهة الاحتلال الأميركي كما بمواجهة الاحتلال التركي، وأن أوهام السلطة الفيدرالية والقبول بتقطيع أوصال سورية ستؤدي بصاحبها إلى الانتحار السياسي والسقوط الأخلاقي.. هي مواقف غرائزية، وثأرية، حيال سورية والسوريين.. فهل تدرك «قسد» و»وحدات الحماية» و»الإدارة الذاتية» أن للسذاجة حدوداً..؟
إذا كانت لا تزال هناك بقية باقية من الضمير السياسي، الوجدان السياسي، لدينا كسوريين بجميع أطياف نسيجنا، يفترض بنا إعلان النفير العام، لمواجهة لعبة الأمم ولعبة القبائل معاً، بين لعبة الإمبراطوريات ولعبة الطوائف…
منذ بداية العدوان على سورية يحاول أردوغان «تتريك» الشمال السوري. راهن على «الإخوان المسلمين» ثم على تنظيم «داعش»، والآن على «جبهة النصرة» وفصائل أخرى، ما يعنيه اختراق عظام السوريين، وأرواح السوريين، بزعم مواجهة خطر «الكرد».. فهل استطاع أردوغان أن يتخطّى دور الثعلب، وشخصية الثعلب، في دفع التراجيديا السورية الى تخوم العدم؟
مَن يفكر بتجنيس ثلاثة ملايين سوري، كيف لا يفكر بتجنيس عشرين مليون سوري؟ الشيطان يلعب في رأس هذا الرجل.. لا تستغربوا أبداً!
هنا ليس احتلالاً للأرض فقط، بل احتلال للناس أيضاً وتحويلهم «دمى عثمانية» بل و»دمى أردوغانية» يُراد لمواطني الشمال السوري أن يكونوا حطباً بشرياً في حضرة الباب العالي وضد إخوانهم الكرد..
إياكم أيّها السوريون الوقوع في فخ الفتنة الأردوغانية وعليكم أن تتذكّروا أيام «الجندرمة العثمانية» وأيام «السفربرلك» وكيفية تعاطي «الباب العالي» مع الأقليات على أنها حثالة بشرية.
بعد أن كان الغرب يعطي بيتهوفن، وجان جاك روسو، وهيغل وكارل ماركس، كان يُراد لثقافتنا، ثقافة أبي العلاء المعري، والكواكبي، وأنطون سعاده أطلق حركة العقل والنهضة في مجتمعه ، أن تتوقف عند ثقافة.. «باب الحارة!».