نتنياهو في سلطنة عُمان… لماذا الآن وأين المفاجأة؟
هشام الهبيشان
في البداية، علينا تأكيد أنّ زيارة نتنياهو لسلطنة عُمان، لم تكن الأولى لمسؤول صهيوني للسلطنة، فهذه الزيارة الثانية لرئيس وزراء صهيوني لعُمان، حيث سبق أن زارها عام 1994 إسحاق رابين، كما استضاف رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز، عام 1995 وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي في القدس المحتلة، ولا ننسى لقاءات «حسناء الموساد» تسيبي ليفني مع المسؤوليين العُمانيين، مع العلم أنه للآن لا توجد علاقات دبلوماسية بين الكيان والسلطنة، إلا أنهما وقّعا في مطلع عام 1996، اتفاقاً حول افتتاح متبادل لمكاتب تمثيل تجارية. وهنا، علينا توضيح مسألة أكثر أهمية، حول زيارة نتنياهو للسلطنة، فمسار التطبيع بين بعض دول الخليج العربي مع الكيان الصهيوني تجاوز مسألة السلام في المنطقة والتطبيع بمختلف أشكاله، فاليوم يؤكد الخبراء الصهاينة، أنه خلف الكواليس يستتر تعاون أمني واقتصادي واسع بين أنظمة دول الخليج والكيان الصهيوني «باستثناء الكويت»، وهو أخذ بالتطور، ففي السنوات الأخيرة على حدّ وصفهم بدأت منظومة علاقات حميمية جداً «مع بعض الأنظمة في الخليج، لأنّ هوية المصالح متشابهة، فمضمون مسار هذه العلاقات كما وصفها أحد الخبراء الصهاينة يتلخص بالآتي حسب قوله: «اليوم للعلاقات شكل معيّن.. بمعنى آخر هم يجلسون معنا في غرف مغلقة ويتصافحون ويتفقون على كلّ شيء، لكن هذه الأنظمة تقول إذا كنتم تريدون أن تكون هذه العلاقات علنية عليكم أن تظهروا كأنكم تحاولون حلّ النزاع مع الفلسطينين وطالما أنّ هذا لا يحدث هذه العلاقات ستبقى سرية»، ومن الواضح أنّ سلطنة عُمان بكيانها السياسي، حاولت تبرير هذه الخطيئة «باستقبال نتنياهو»، وتعليقها على شماعة عملية السلام، و»الدفاع» عن القضية الفلسطينية والبحث عن حلّ عادل لها، وهذا المنطق الذي تتحدث به السلطنة للأسف، هو منطق مناف لحقائق الواقع، وهو أكثر ما يضرّ بفلسطين وقضيتها العادلة ونضال شعبها.
هنا، وتزامناً مع هذا التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني والذي تتبناه معظم أنظمة الخليج العربي، وبضغط أميركي، بدأنا نرى حالة غير مسبوقة من التطبيع الاقتصادي والثقافي والأمني والاستخبارتي بين الجانبيين، فبوادر وملامح ومؤشرات التطبيع مع هذا الكيان في معظم دول الخليج، لها جذور ورواسب تاريخية، فهذه ليست المرة الأولى التي تسير بها علاقات الجانبيين بهذا المنحى التطبيعي المفاجئ للبعض، فعلاقات التطبيع لها تاريخ حافل مع هذا الكيان، وهذا ما يؤكده خبراء وجنرالات وساسة الكيان الصهيوني، الذين يتحدثون عن تطوّر العلاقات بينهم وبين بعض أنظمة الخليج العربي، وهذا التطبيع لم يعد يأخذ منحى عابراً، بل أصبحت علاقة يرعاها السيد الأميركي بين الكيان الصهيوني وهذه الأنظمة، وهذا ما يوحي بتطورات ومشاريع خطيرة ستعيشها المنطقة العربية وشعوبها في المقبل من الأيام.
وبالعودة إلى زيارة نتنياهو للسلطنة، فاليوم، لا يمكن إنكار حقيقة انّ زيارة نتنياهو للسلطنة، قد جاءت لإتمام صفقة معينة، بين السلطنة والكيان الصهيوني، وهذا ينسحب على معظم دول الخليج العربي، فاليوم، هناك حديث غربي عن ضغوط مارستها إدارة ترامب في الفترة الأخيرة على المنظومة الخليجية، بهدف إنجاز تطبيع شامل مع الكيان الصهيوني وعلى مراحل متقاربة زمنياً من «دون الحديث أو ربط ذلك بأيّ تفاصيل تخص القضية الفلسطينية»، ونتيجة هذا التطبيع سنسمع ونرى قريباً منح شركات الطيران الصهيونية إمكانية التحليق وعبور الأجواء في دول الخليج، وإلغاء القيود المفروضة حتى اليوم على إدخال المنتجات الصهيونية إلى دول الخليج، علاوة على ذلك، سنرى مساراً تطبيعياً رياضياً ثقافياً، ستتبعه مرحلة نهائية وختامية تتعلق بالتطبيع المجتمعي.
الصهاينة بدورهم يعوّلون كثيراً على هذا التطبيع مع بعض أنظمة الخليج العربي، «علها تكون المدخل لتصفية القضية الفلسطينية، وإعطاء هذه التصفية «غطاء عربياً خليجياً – إقليمياً – دولياً»، الغريب والمستهجن بهذا الخصوص هنا أيضاً هو غياب، أيّ تنديد شعبي «خليجي»، على مسار التطبيع هذا، وكأن كل هذا لا يعنيهم بشكل قاطع، والمثير للاشمئزاز هنا، انه وتزامناً مع كلّ الجرائم التي ارتكبها الصهاينة في المنطقة بعمومها وفلسطين تحديداً، نرى حالة غريبة من تشابه والتقاء المصالح بين بعض أنظمة الخليج والكيان الصهيوني؟
ختاماً، أقول لكلّ أولئك العرب الذين ما زالوا يهرولون لصناعة التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني، ولكلّ أولئك العرب الذين يهللون ويطبّلون لهذا التطبيع «بحجة إيران أو غيرها»، وهذه حجة سخيفة جداً، ولا يقبلها عقل واع مدرك لحقائق وواقع المنطقة بمجموعها: أين هم الآن من ماسأة أطفال غزة؟ أين هم من جرائم الكيان الصهيوني التي مارسها بعموم المنطقة العربية، وتحديداً فلسطين، أين هم الآن من دماء شهداء فلسطين وتضحيات المناضلين العرب من أجلها؟ على كلّ حال التاريخ يسجل ويكتب سقوط بعض العرب إلى مديات هابطة وطنياً وأخلاقياً وحتى دينياً، عندما قرّروا البداية بمسار تطبيعهم مع الصهاينة.