هل الحرب على إيران نجاةٌ لإبن سلمان؟؟!
د. وفيق إبراهيم
هناك اتجاه غربي وازن يعتقد أنّ الحرب الأميركية على إيران تحتاج إلى وجود ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان على رأس منظومة خليجية ـ عربية وإسلامية تدّق الطبول وتنشد الأهازيج تأييداً للأميركيين… وتعلن نفيراً عاماً لحماية «حرميهما الشريفين في واشنطن وتل أبيب» من «اعتداءات» طهران.
فهل يسمح اتجاه الصراع الإيراني ـ الأميركي نحو الاحتراب إلى نجاة ابن سلمان؟
رصد الإمكانات الإيرانية لمجابهة عقوبات ترامب الاقتصادية يُظهر عن صلابتها واستعدادها على مستويين: التدبّر الاقتصادي بنظام البدائل الداخلية والخارجية، والاستعداد الداخلي الشعبي للالتفاف حول دولته بالتنازل عن كثير من الأساسيات.
وهذا واضح في استمرار هذه الدولة في مجابهة عقوبات وحصار منذ ثلاثين عاماً قادها النظام العربي العام و»إسرائيل» والعرب والأحلاف في مشرق الأرض ومغاربها. إلى أن استقرّت على واشنطن وحلفائها العرب و»إسرائيل» والمطواع من الدول، انما بعيارات قاسية قضت بتحقيق بيع إيران لنفطها، وقطيعة كاملة لعلاقاتها بالأنظمة المصرفية، والمالية والاستيراد والتصدي أي ما يعني بالعملي خنقها حتى الموت الداخلي.
التراجع الأميركي الدولي جاء مباشرة على شكل استثناء لسبع دول آسيوية وأوروبية من عقوبات النفط ما يعني بالعملي نجاة 65 من نفط إيران من الحصار، إلى جانب العودة الإيرانية على تدبُّر ما تبقى بأساليب السوق التي لا تغيب عن دهاء دولة عمرها آلاف السنين وتتقن فنون التسلل من المراكز غير المرئية التي تمسكت بقسم كبير من حركة العرض والطلب والقفز فوق المعوقات.. اسألوا عن ذلك في دولة الإمارات التي شكلت تاريخياً نقطة التسلل الإيراني المركزية من حقول الألغام الأميركية، ناهيك عن «الشقيقة» تركيا، وشقيقات أخريات.
ما يثير السخرية هنا، أنّ ترامب أرجأ تطبيق عقوباته النفطية على سبع دول حتى نيسان/ أبريل المقبل مواصلاً بذلك توتير المنطق على أساس الإمساك بالوريد.. الإيراني.. أم الخليجي، الإجابة عند اللبيب! هذا لأنّ الموقف الأميركي الجديد يعني نقل المعركة الفعلية الى إشعارٍ آخر إنما من خلال الاستمرار بالتضييق المصرفي ـ المالي ـ والاستيراد والتصدير وهذه شؤون لها منفرجاتها.
هذا ليس استهانة بالعقوبات على إيران، وانما مجرد كشف لإمكانات هذه البلد الاقتصادي والسياسي والدولي.. من دون ان يستعمل بُعد قدراته الجيوبولتيكية المبنية على تحالفات راسخة في مدى اقليمي واسع يصل الى متوسط لبنان.. لا إلى بعير محمد بن سلمان الذي يضرب به تارة ويركبه في مراحل أخرى.
إزاء هذا التراجع هرب الأميركيون نحو استهداف تحالفات طهران.. مشجعين على هجمات واسعة على سواحل اليمن وسامحين لآل خليفة البحريني إصدار حكم بالمؤبد على أمين عام جمعية الوفاق الوطني الشيخ علي سلمان من دون تهمة واضحة ومثبتة، تلت مباشرة لقاء لحكام هذه الجزيرة مع إبن سلمان.. وأعقبت إعادة الحظر على تشكيل حكومة لبنانية بأسباب لا يصدّقها الأطفال، فمن يسمح بتوزير من تتردّد أسماؤهم وأسماؤهنّ بكلّ ما عليهم وعليهنّ من ملاحظات سياسية ومآخذ سلوكية، أيحق له رفض توزير وزير من أصل 40 من نواب الطائفة السنية في لبنان نجحوا على لوائح مضادة للوائح حزبه المستقبل بحجة أن لا كتل مستقلة لهم؟
يشكل هذا الموقف افتعالاً متعمّداً لتعطيل التشكيل، لأنّ القبول يعني تسلّم محمد بن سلمان لحكومة لبنان عبر تسويات إضافية وجانبية مع قوى أخرى تتقن فنون المساومة وبيع المواقف والرقص على الحبال.
يمكن أيضاً ربط هذه المعطيات بالتردّد في إصدار مواقف نهائية في موضوع اغتيال الخاشقجي، علماً انّ كلّ القوى العالمية تعرف أنّ هذا موضوع يرتبط بصراعات داخلية أميركية وأميركية عالمية، وتركية سعودية، وأميركية تركية ـ لكن إصدار التهمة النهائية، تتطلب التفتيش عن مصلحة واشنطن في تحديد وجهة الاتهام والاستفادة السياسية منه ـ وهذا يتطلب حلولاً أميركية داخلية عنوانها: أين مصلحة الامبراطورية الاقتصادية الأميركية، على أن يبدأ بعدها لجم الاندفاعات الاوروبية وإرضاء الرؤوس الحامية في تركيا؟
بالنسبة للأميركيين هناك ثلاثة أنواع من المتهمين يمكن إلصاق تهمة الخاشقجي بواحد منهم: ولي العهد، مكتبه، والجهاز السعودي الأمني، على أساس التبرئة السياسية المتبعة لآل سعود كإدارة بعيرية دائمة للبلاد..
لذلك جرت محاولة لتوجية التهمة للأمن السعودي بمفرده فلم تنجح.. وهناك مسعى بمفرده فلم تنجح.. وهناك مسعى لاتهامه بالاشتراك مع مكتب محمد بن سلمان وعلى أساس انه لم يستأذن ولي عهده مسبقاً مفضلاً الاجتهاد ـ فهل يؤدي هذا الأمر مع تصعيد الموقف في وجه إيران وتحالفاتها الى إنقاذه؟
وللمزيد من ضبط حركة المفاجآت، أعاد الأميركيون الأمير أحمد بن عبد العزيز أحد آخر أشقاء الملك سلمان من المنفى الى السعودية.. وهذا دليل على إصرار غربي على الاستمرار السياسي لآل سعود كحاجة غربية أولاً وأخيراً في مواجهة التغييرات العالمية المتلاحقة.. فالسعودية كنز رصده آل سعود للأميركيين والإسرائيليين وحرموه عن أهله في الحجاز ونجد والقطيف وغيرها من الحواضر.
انّ نجاح إيران في كسر الحرب الأميركية عليها، لن يتيح لواشنطن المحافظة على إبن سلمان، قد يبقى موقتاً لضرورات العثور على تصنيع لائق لولي عهد جديد يخرج من بيت أحمد بن عبد العزيز وعلى اساس تسوية تُبقي على الملك سلمان مع تعيين ولي عهد جديد باتفاق كامل أجنحة آل سعود المتصارعة والمضطرة للاتفاق حفاظاً على مؤسستها الملكية.
انما أين محمد بن سلمان من هذه التخريجة؟
تحميله قسماً من اغتيال الخاشقجي هو إنهاء لدوره السياسي العلني.. لكن هذا الاتهام موجه إليه لأنه كان يبيح لقادة مكتبه حق القرار من دون العودة اليه، وبهذه الطريقة يستطيع أداء دور في قيادة المملكة خلف أبيه، وعلى أساس اعتزال الحياة السياسية العلنية.. وبالانصياع للغرب تدوم النعم، وتحفظ الرقاب.. وتبقى السعودية مستمرة قبيلة لراعي البقر الأميركي، حتى تبدّل التوازنات الخارجية، وبدء التحرك الداخلي الرافض لتجميد التخلف في جزيرة العرب.