حكومة نتنياهو تترنّح تحت ضربات المقاومة… وليبرمان خارج الحكم مصالحة فرنجية جعجع تخلط الأوراق في الساحة المسيحية… وتُنهي اتفاق معراب

كتب المحرّر السياسيّ

مع نهاية الحرب الفاشلة على غزة بوقف للنار كرّس اليد العليا للمقاومة وأظهر قدرتها على الردع، بدأت التداعيات بالظهور على حكومة بنيامين نتنياهو بإعلان استقالة وزير حربه أفيغدور ليبرمان، الذي وصف وقف النار بالاستسلام، بينما وصفه رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت بالهزيمة الشنيعة، وخرجت وزيرة الهجرة الإسرائيلية صوفا لندفير باستقالتها، وبدأت داخل الكيان ونخبه العسكرية والسياسية نقاشات علنية حول الخيارات الصعبة التي يواجهها الكيان في التحدي مع غزة، حيث يسلّم الجميع بأن الحرب باتت مخاطرة كبرى، واستعادة قدرة الردع أو رفع جهوزية القبة الحديدة، باتا من الخيارات الوهمية، والتعايش مع معادلة غزة القوية ليست في نطاق قدرة أي حكومة في كيان الاحتلال، لتضاف معضلة الاستعصاء في غزة إلى معضلة العجز أمام جبهتي لبنان وسورية.

الجديد الذي كشفه موقع ميدل إيست آي البريطاني كان حول دور ولي العهد السعودي في التحريض على حرب غزة وربّما تمويلها، أثار الكثير من الاهتمام في الأوساط الغربية التي أجمعت على اعتبار التصعيد الإسرائيلي غير مفهوم وتساءلت عن أسباب التورط في حرب في هذا التوقيت السيئ لـ«إسرائيل». وأوضحت مصادر الموقع نفسه أن مجموعة عمل أنشئت في السعودية اقترحت شن حرب على غزة ضمن حزمة إجراءات وسيناريوهات لمواجهة الأضرار التي تسببت فيها التسريبات التركية بشأن اغتيال الخاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول. وتتكوّن مجموعة العمل من مسؤولين داخل الديوان الملكي السعودي ووزارتي الخارجية والدفاع والاستخبارات، وتقدّم هذه المجموعة تقريراً لولي العهد السعودي كل ست ساعات، وقد اقترحت هذه المجموعة على محمد بن سلمان أن شنّ حرب في غزة سيصرف انتباه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويُعيد للواجهة تعويل أميركا على دور الرياض في حماية المصالح الاستراتيجية لتل أبيب.

لبنانياً، كان الحدث في بكركي مع تواصل الجمود على المسار الحكومي رغم الإشارات التي تتحدّث عن اتصالات لم تتوقف، أو عن مساعٍ لتدوير الزوايا والبحث عن مخارج، فكان اجتماع رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع برعاية البطريرك بشارة الراعي مصدر اهتمام داخلي وخارجي، باعتباره خلطاً للأوراق السياسية في الساحة المسيحية، يتخطّى المفاعيل المعلنة لطي صفحة الحرب، باتجاه تشكيل جبهة مسيحية في مواجهة التيار الوطني الحر، والاحتمالات المفتوحة لهذا الحدث على القراءات والحسابات الخاصة برئاسة الجمهورية وبينما ركّز فرنجية وأركان المردة على الطابع الوطني لا السياسي للمصالحة، أشار رئيس القوات إلى أن المصالحة تختلف عن مصالحة التيار الوطني الحر، مشيراً ضمناً إلى سقوط اتفاق معراب واعتبار المصالحة مع المردة خطوة راسخة 100 بينما المصالحة مع التيار الوطني الحر تتراجع.

فرنجية بعد المصالحة: لسنا ضدّ «التيار» ولن نخرج عن الثوابت

حجبت المصالحة بين رئيس تيار المردة الوزير سليمان فرنجية ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الأضواء عن العقدة الحكومية السنية. فرغم تفعيل الحراك السياسي الذي يقوده رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل الذي حطّ أمس، في دار الفتوى واجتمع بمفتي الجمهورية الشيخ عبد الطيف دريان لمدة ساعة ونصف الساعة، إلا أن لا حلول في الأفق حتى الساعة.

أما الحدث فكان في الصرح البطريركي الذي رعى المصافحة والمصالحة بين فرنجية وجعجع بعد 40 عاماً على مجزرة إهدن، ففي حين نفى الطرفين وجود أهداف سياسية للمصالحة، وأنها تصبّ في مصلحة المسيحيين ولبنان، اعتبرت مصادر مسيحية مطلعة المصالحة بأنها حاجة للمسيحيين وطوت صفحة أليمة ودموية بين الطرفين، لكنها أشارت لـ«البناء» الى أن «هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام لقاءات سياسية في المرحلة المقبلة بين الجانبين وأن حصول تحالف سياسي بات أسهل من السابق، لكن ليس في المدى المنظور بل البعيد» أما مصادر تيار المردة فتشير لـ«البناء» الى أن «الوزير فرنجية قدّم تنازلاً كبيراً في إجراء هذه المصالحة وهو تنازل منذ زمن عن حقه الشخصي، لكن لم يفعل ذلك للحصول على أثمان سياسية كما فعل الآخرون، لكن ما حصل أمس جاء تتويجاً لخطوة فرنجية التاريخية ونقل المصالحة الى القواعد الحزبية والشعبية وطي صفحة الماضي»، ولفتت لـ«البناء» الى أن «لا مصلحة سياسية لفرنجية في هذه الخطوة بل يمكن أن تكلفه في السياسة فهو تعوّد على دفع ثمن مواقفه السياسية، لكنه يرى بأن الوحدة والمصلحة المسيحية تستحق كل التضحية». وأكدت بأن «فرنجية لن يخرج عن ثوابته وقناعاته السياسية وهو لم يلتزم بأي التزامات سياسية لا نيابية ولا رئاسية ولا حكومية، كما أن المصالحة ليست موجهة ضد التيار الوطني الحر». أما مصادر التيار العوني فأشارت لـ«البناء» الى «أن التيار لا ينظر بريبة الى مصالحة بكركي بل يعتبرها امتداداً طبيعياً لتفاهم معراب بين التيار والقوات الذي شكل نموذجاً بدأناه مع القوات لينسحب اليوم على باقي المكوّنات المسيحية». وفي أول تعليق من التيار غرّد باسيل عبر «تويتر» قالئلاً: «مباركة المصالحة بين تيار المردة والقوات اللبنانية برعاية بكركي وكل مصالحة لبنانية أخرى، فكيف إذا أتت لتختم جرحاً امتد أربعين عاماً ولتستكمل مساراً تصالحياً بدأ مع عودة العماد عام 2005». فيما اعتبرها النائب إبراهيم كنعان «تكريساً لنهج التصالح والتلاقي، لا سيما أننا وقفنا الوقفة نفسها في الثاني من حزيران 2015 وأكملناها في الثامن عشر من كانون الثاني 2016 بلقاء معراب الذي أرسينا فيه التفاهم السياسي». وعلّق رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري على تويتر قائلاً: «المصالحة بين القوات اللبنانية وتيار المردة، صفحة بيضاء تطوي صفحات من الألم والعداء والقلق. نبارك لسليمان بك فرنجية وللدكتور سمير جعجع هذا الحدث الكبير الذي تكلل برعاية البطريرك الراعي».

وكان لقاء عُقد بين جعجع وفرنجية بحضور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي فكانت مصافحة بعد المصالحة والمصارحة بحضور وفد نيابي ووزاري من الطرفين.

وأكد فرنجية في تصريح بعد لقاء المصالحة أن «اللقاء كان مسيحياً بامتياز ولم نتطرّق للأمور اليومية، بل للأمور الوجدانية ونحن نفتح صفحة جديدة ليست على حساب أحد. وهي بدأت وتابعت بطريقة طبيعية ووجدانية وليس بطريقة طارئة أو ظرفية ونحن نعتبر العلاقة طبيعية والوقت يقرّر ما سيحصل وفي السياسة يمكن أن نتفاهم ويُمكن ألا يحصل ذلك».

ورداً على سؤال «هل أصبح الوصول إلى الرئاسة أسهل بعد المصالحة»، أكد فرنجية أنه «بعد 4 سنوات الله بيعرف شو بدّو يصير»، مشدداً على «اننا لسنا مختلفين مع « التيار الوطني الحر » وعندما يستدعينا رئيس الجمهورية ميشال عون نحن جاهزون».

هل يكون الحلّ عند عون؟

على الصعيد الحكومي، راوحت عقدة رفض الحريري تمثيل معارضيه مكانها، حيث إنّ أطراف العقدة الثلاثة التي سمّاها باسيل لم تخرج عن مواقفها، فالحريري بحسب مصادره كان واضحاً في مؤتمره الصحافي وهو يرفض رفضاً قاطعاً التنازل من حصته السنية لسنّة 8 آذار، لكنه لا يمانع من تمثيلهم من حصة رئيس الجمهورية في إطار الاتفاق مع عون على تبادل وزير سني بآخر ماروني، غير انّ مصادر «البناء» تشير الى أنّ «الرئيس عون سيتنازل من حصته في نهاية الأمر لتسهيل ولادة الحكومة ويُخرج الحريري من الإحراج الذي وقع فيه. وهذا ما ألمح اليه الوزير باسيل منذ أسبوع تقريباً وردّده نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي من عين التينة»، أما سنة اللقاء فرفضوا أيّ مساومة أو حلّ وسطي يقضي بتوزير شخصية سنية من خارج النواب الستة، وأعلن النائب جهاد الصمد في تصريح أنّ «السنة المستقلين غير معنيّين بأيّ خطوة يقوم بها الوزير جبران باسيل من دون أن يتشاور معهم»، وقال: «المشكلة اليوم هي أنّ سنّة 8 آذار يدعمون المقاومة»، ولفت «الى أنّ الرئيس المكلف سعد الحريري على استعداد لتأليف حكومة مع كلّ من يكون ضدّ هذه المقاومة»، ورأى «انّ اتفاق الرئيس الحريري مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي كان في تنافس معه سابقاً، جاء بعد خضوعه لشروط تيار المستقبل»، وأوضح «انّ هذا الأمر ليس وارداً لدى النواب السنة المستقلين». وبينما رحّب النائب فيصل كرامي بكلام الحريري انتقد كلام الرئيسين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي من دون أن يسمّيهما، وقال: «ما يقلقنا هو المزايدات على الحريري بموضوع صلاحيات رئيس الحكومة»، موضحاً أنّ «توزير السنة من خارج تيار المستقبل لا يمسّ بصلاحيات رئيس الحكومة ونحن نريد أن يخرج الحريري من الأزمة».

وقالت مصادر مطلعة على موقف الرئيس عون لـ«البناء» إنّ «الرئيس عون فوّض الوزير باسيل بإيجاد الحلّ المناسب وأيّ حلّ يصل اليه سيوافق عليه رئيس الجمهورية»، لكنها أكدت بأنّ «رئيس الجمهورية لم يغلق باب الحلّ ومنفتح على الحلول كافة التي يراها مناسبة لكن لا حلّ حتى الآن»، وتشير الى أنّ «العلاقة مع حزب الله جيدة ولم تتأثر بموقف الرئيس عون من تمثيل سنة المعارضة ولا بموقف السيد حسن نصرالله الأخير»، موضحة أن «الرئيس عون على علاقة جيدة بالأطراف كافة»، مؤكدة بأنّ «العقدة ستحلّ وسيكون هناك حكومة في وقت قريب في نهاية المطاف».

وكان باسيل قال بعد اجتماعه مع مفتي الجمهوري عبد اللطيف دريان: «يجب تشكيل حكومة وحدة وطنية لا يكون فيها إكراه ولا فرض بل صحة تمثيل ونريد رئيس حكومة قويّاً ولا نقبل إلا أن يكون كذلك وكلّ ما يمسّ برئيس الحكومة يمسّ بنا». وأكد أن «الموضوع ليس بصلاحيات الرئيس ولا بالطائف بل هناك مشكلة تمثيل فريق سياسي تحتاج الى معالجة تراعي صحة التمثيل». وأشار الى انه «لدينا قواعد للحل حتى لا يكون عشوائياً واذا اقتنع الجميع بهذه المبادئ فإننا ندخل الى نقاش الأفكار».

بدوره أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد لقاء الاربعاء النيابي ان كلام السيد نصرالله ترك الباب مفتوحاً للحل وكذلك فعل الحريري في مؤتمره الصحافي. وقال إنه ابلغ الوزير باسيل موقفه تجاه الافكار التي يمكن أن يبنى عليها، آملاً أن تنجح الجهود والمساعي لتشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، للضرورات الوطنية على المستويات كافة».

واستغرب وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال محمد فنيش «أن تُكال الاتهامات بالتعطيل او بتجاوز الدستور، لمجرد إعلان موقفنا بدعم مطلب نراه محقاً لتكتل نيابي حليف لنا في السياسة وفي نهج المقاومة. خمسة أشهر مضت وقد تم إيجاد حل لأحجام وحصص ومعايير لبعض القوى ولم تُكَلْ لهم مثل هذه الافتراءات. إن المراوحة منذ البداية تثبت ما قلناه من أنها لم تكن مستجدة ولا مفتعلة، وإذا كان هناك موقف مغاير للرئيس المكلف فذلك لا يعني جواز اتهامنا بالتعطيل من البداية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى