برامج «الفوضى الخلاقة» والهجرة نحو الغرب…!

محمد ح. الحاج

ربما لم يخطر ببال المبرمجين الذين أبدعوا «الفوضى الخلاقة» بالنسبة لهم، المدمّرة للشعوب المستهدفة أنها ستخرج عن السيطرة وأنها قد تنتقل بالعدوى، بالأحرى بتأثير الميديا والتواصل الاجتماعي بعد أن شارف العالم على الوصول إلى أن يكون قرية واحدة، يقع الحدث في الطرف الآخر من العالم، وبعد ثوان أو دقائق ينتشر في كلّ مكان، قذف الحجارة، وقلب السيارات وإحراقها، إغلاق الشوارع، إشعال الإطارات وكلّ ما يمكن حصوله في مكان ما، لا يبقى حكراً أو محصوراً في جماعة أو بيئة سواء متخلفة أو متقدّمة تبعاً للتصنيف الذي يضعونه لمجتمعاتنا، هكذا… باريس تشتعل، باريس تحترق، تغلق شوارعها وتحاصر قصورها.

هل تتميّز شعوب الغرب عنا بحساسيتها تجاه الحياة المعيشية وتأثيرات النظام الرأسمالي ونظام الضرائب التصاعدي لصالح الشركات التي لا تشبع؟ وهل قلة حساسيتنا لأسباب ذاتية كامنة فينا أم لأننا بلغنا الكفاية ولم نعد بحاجة لمزيد، أم بالعكس بلغنا درجة القنوط فأصبحنا نقبل بالقليل ونصمت؟

المعارضات في كلّ العالم أدوات رقابية على سلوك الحكومات وأدائها في الداخل تجاه المواطن واحتياجاته وكفايته، وقليلاً منها يتابع السياسات الخارجية التي لا تؤثر على الداخل المعاش، هذا يختلف عن واقع المعارضات في الدول المتخلفة إذ أنّ آخر همومها هو همّ الداخل والحياة المعيشية ورفع الحيف عن المواطن والتخفيف من أعباء الحياة عنه، معارضاتنا متشعّبة الولاء، ما يهمّها هو ما تكسبه لهذا تتعدّد ولاءاتها، وتركز اهتمامها على التدخل في سياسة الدولة الخارجية وأشكال الحكم وبعض التفاصيل الباهتة التي لا يوليها عالم الغرب أيّ اهتمام.

شعوب الغرب ورغم الرفاهية البالغة المستوى نسبة إلى الضرائب وساعات العمل هي أفضل بكثير من واقع شعوب العالم الثالث، لهذا الأمر أهميته إذ تكون الحسابات مرهونة ووقفاً على ميزان محدّد، لا يشبه واقع الشعوب المتخلفة بالمطلق، ومعارضات الغرب لا ترتبط بجهات خارجية، أما موضوع إثارتها فيضع ويتماشى مع مطالب داخلية صرفة، مع ذلك وعن طريق الإيحاء والتدخل الخارجي في شؤون الحكومات الغربية عن طريق كارتل الشركات الاحتكارية أو صندوق النقد أو البنك الدوليين يمكن أن تتخذ بعض الحكومات قرارات لا تخدم مصلحة شعبها وهذا يدفع إلى الاحتجاج، وقد ينقلب إلى ثورة، لكنها أبداً لا تشبه ثورات ربيع العرب، ولن يكون فيها مرتزقة وجيش متعدّد الجنسيات، نعم نحن مختلفون تماماً… خصوصاً في لبنان!

نحن لم يخرج منا أحد احتجاجاً على غلاء المعيشة، فنحن أرخص دول العالم من حيث الأسعار ووفرة المواد، وجودتها، وأقلّ دول العالم من حيث دخل الفرد، ولأننا كذلك كانت الدراسات في مراكز بحوث الغرب تتركز على الحالة النفسية ونقاط الإثارة العاطفية والتاريخية، وإذ لا يمكن لها النجاح في تحقيق أهداف فورة خارجية المنشأ داخلية المظهر كان لا بدّ من الاستعانة بمرتزقة من كلّ دول العالم، من أكثر من ثمانين دولة، هؤلاء جاؤوا تحت يافطة نصرة الإسلام، ويمكن أن يذهبوا لنصرته في الصين أو الهند، كما يمكن أن ينصروا السنة ضدّ الشيعة والشيعة ضدّ السنة، والمالكية ضدّ الحنابلة، والحنابلة ضدّ الشافعية وربما ينصرون المسيحية في مكان ما، من يدري؟ وهكذا، هم في الحقيقة بنادق مأجورة لتخريب حياة الشعوب في خدمة الشركات الكبرى صاحبة الدول!

لا يمكن للشركات الأميركية ولا البنوك، ولا بيوت المال أن تتدخل في فرنسا فترسل جنوداً أو مقاتلين مرتزقة، لا لنصرة الثورة الصفراء، ولا لنجدة ماكرون، هنا قد يكتفون بالإيحاء وبما يزيد أوار المجابهة عن طريق دفع ماكرون إلى مزيد من التعنّت، ويدركون أنّ السترات الصفراء الذين يقف معهم 80 من الشعب حسب استطلاعات رأي فرنسية، لن يتراجعوا دون تحقيق مطالبهم، قد يسقط البعض وتسيل دماء لكنها لن تكون ثورة مسلحة بالمعنى المعروف.

الحكومة الفرنسية لن تتأثر بالميديا العالمية ولا تعطي بالاً لأيّ نقد يطال سلوكها تجاه المحتجين، ولن يتغيّر هذا السلوك تحت أيّ نوع من الضغط الخارجي كما فعلنا في بدايات الأزمة، عندما أنزلنا الأمن دون سلاح لنثبت أننا لا نقمع، فخسرنا الكثير من الرجال وكانت فرصة لتشجيع وتقوية خوان الوطن وزيادة جرأتهم والقول إنهم يجابهون حكومة ضعيفة قابلة للهزيمة خلال أيام أو حتى بضعة شهور، في أوروبا يتكفل الوعي الوطني برسم الخطوط الحمراء وحدود الثورة الصفراء التي ستنتصر برفضها التدخل الخارجي، وسيكون ضغطها الداخلي المدعوم بقوى الشعب كافياً لتراجع الحكومة وتحقيق مطالبهم.

عاش الأوروبيون زماناً في العسل، تذوّقوا طعم الاستقرار والرفاهية، ولأنّ بعض الدول الأوروبية تبحث عن حرية قرارها، والخروج من عباءة الوصاية الأميركية فإنّ هذه الرفاهية والاستقرار سوف تهتزّ بفعل الخطط الجاهزة للشركات والعائلات المالية الأميركية التي لا تنظر بعين الارتياح لأيّ قرار أو سلوك أوروبي يحدّ من سيطرتها على القارة العجوز، خصوصاً في زمن الرئيس التاجر الذي لا يهتمّ بالأمن القومي الأوروبي أو العالمي قدر اهتمامه بالمردود المالي والمبالغ التي تدخل خزائنه.

الإدارة الأميركية التي تسيطر اليوم على أغلب جنوب غرب آسيا، وعلى باكستان وأفغانستان ومحيط روسيا من دويلات الاتحاد السوفياتي السابق، وحالياً العراق وكامل دول الخليج، ومصر وليبيا وتونس… لا يقف بوجهها إلا إيران وسورية تدعمهما روسيا التي ليس من مصلحتها سقوط أيّ من الدولتين، روسيا التي تحاول نسج علاقات وثيقة مع تركيا ومن جانب آخر مع السعودية لمصالحها التي تدفع بالأميركي إلى نوع من الجنون والشعور بأنّ الدولتين تنزلقان من قبضته، هذا الأميركي سيندفع إلى عمل المستحيل حتى تبقى أوروبا بكاملها متماسكة، متفقة على البقاء تحت جناحه، وما خطيئة ماكرون بدعم إنشاء جيش أوروبي قوي، ورفض العقوبات الأميركية على إيران إلا السبب الرئيس في إثارة مشاكله الداخلية بعد دفعه من أطراف تعمل بالإيحاء الأميركي إلى اتخاذ قرارات لا تعجب الشعب الفرنسي ولا تخدم مصالحه.

حرب التآكل الداخلي التي وضعت خطوطها مراكز البحوث الأميركية، ومارست تجاربها في عالمنا العربي المتخلف لا يمكن أن تقف عند حدود، ودول العالم الأخرى، حتى الأوروبية، ليست في حصانة منها طالما تحكم عائلات المال الأميركية… وتملك أغلب قوى العالم الشريرة.

احذروا مما يُحاك للبنان، وما يحصل في الشمال والشرق السوري من توظيف للأكراد واللعبة التركية في إدلب، وانعكاسات ذلك على الساحتين الشامية واللبنانية… لكلّ شريحة أو جماعة مزاجها ومواقفها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى