كي لا يخسر الحريري غطاء عون
روزانا رمّال
جمع الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري من حيث لا يتوقع أرضية مشتركة صارت حقيقة بلحظة تغيير سياسي مفاجئ عصفت على المنطقة وتأثر بها لبنان، فتغيرت معها الحالة الوسطية في الحياة السياسية اللبنانية برأس هرمها ومجلس وزرائها بعد سنوات من حكومة «وسط» فراغ رئاسي وضياع إقليمي وتوتر أمني في لبنان، فقبلت اغلب الاطراف ومنها مهزومة ومرغمة ميشال عون مرشحاً رئاسياً قوياً لقاء طرح حكم الأقوياء بطوائفهم في مرحلة جديدة فولدت حينها اسس علاقة مميزة جمعت الرجلين وعرفت بـ»التسوية الرئاسية»، لكن ما لم يكن متوقعاً هو تمتين هذه العلاقة بسرعة كبيرة على الرغم من التباين الكبير بملفات إقليمية وخارجية تحيط بموقع لبنان وحضوره في المنطقة وبطبيعة قيادة كل منهما على حدة لملفات تكتيكية محلية وما لم يكن متوقعاً أيضاً التعاون الكبير بين الرئاستين الاولى والثالثة في مشهد افتقده لبنان منذ ما بعد عام 2005 بهذا الشكل الذي يحمل في طياته «الودّ السياسي» أكثر منه العمل المشترك، وربما كانت لهذا الودّ مكانة اسست لقوة الطرفين.
هذه التجربة مرت باختبارات عدة لكن تفوقها تلك اللحظة القاسية التي مر بها الرئيس المكلف سعد الحريري في الرياض العام الماضي وهي لحظة الاحتجاز المريب التي اعترف بها كل العالم أوله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. في تلك اللحظة رفض شريك المرحلة والتسوية الرئيس ميشال عون تصديق أن الأمر من ورائه استقالة طبيعية. فرفض هذا الحديث جملة وتفصيلا واستنفر اجهزته القريبة للتحرك دولياً باتجاه حملات تدعو الى كشف مصير الرئيس الحريري أولاً وإعادته الى لبنان ثانيا كان من بينها وزير الخارجية جبران باسيل والمدير العام للأمن العام عباس ابراهيم فعاد الحريري.
في هذه اللحظة أيقن الأخير ان الرئيس ميشال عون متمسك به حتى آخر الطريق وأن شيئاً غير قادر على هز العلاقة حتى صار عون «السند» الاوضح للحريري، بعد أن صارت علاقته بالسعودية فاترة او بالحد الأدنى علاقة مصالح تخلو من المجاملات والقرب النفسي. الرئيس ميشال عون ذهب بعيدا في دعم الحريري مؤخراً متحملاً اسئلة عديدة طرحت عن اسباب هذا الدعم، مما لقي انزعاجاً لدى البعض آخرها في معرض دعمه للحريري بأزمة توزير النواب السنة خارج تيار المستقبل، بحيث كان الموقف لأول مرة موجهاً لحزب الله عبر الاعلام حتى صارت الفكرة توازي كسر الحريري وإدخاله ضعيفاً لقيادة مجلس الوزراء. هذا الموقف من رئيس الجمهورية لم يمنعه مباركة تكليف باسيل بمبادرة للبحث في إمكانية توزير النواب المعنيين ولا من الحديث عن حقهم في ذلك. لكن الصورة تكشفت اليوم وتبيّن أنّ عون اعطى الحريري كلّ ما كان متوقعاً وأكثر ومدّ له يد العون وكلّ ما يمكن ان يعطي الحريري دفعاً في تشكيل الحكومة حتى بوجه حلفائه «حزب الله»، لكن هذا لن يكون على حساب البلد او المزيد من التأخير ولا يعني انّ عون ماضٍ قدماً بالقبول لهذا التأخير فرفع عون «البطاقة الصفراء» بوجه الحريري إنذاراً كي لا تصبح حمراء وحثّه على التذكر بأن هناك وسائل يسمح بها الدستور لمواجهة هذه العرقلة، فليس مهماً كيف وبأي شكل تحلّ الأزمة الحكومة فواجبات رئيس الحكومة إيجاد حل بالطرق المناسبة لولادتها. وهي مسؤوليته وحده قانوناً ومن غير المقبول أن يسافر ويجيء بدون حلول فكان ما كان.
يؤكد مصدر سياسي وازن في 8 آذار أنّ الحريري سارع الى الاحتفاظ بغطاء الرئيس عون وهرع الى بعبدا كاشفا عن إيجابية تجاه ايّ مبادرة ترضي الاطراف مؤكداً انّ صيغة الـ 36 وزيراً هي المطروحة على طاولة البحث وانه لا طريق امام الحريري إلا النجاح وإلا فلن يكتب له البقاء رئيساً للحكومة بعد أن تاكد انّ عون الذي قدّم له هذا الغطاء كلّ هذا الوقت لن يقبل بأن يكون على حساب تعطيل البلاد اكثر. وبهذا الإطار يؤكد المصدر أن الخيارات ضيقة امام الحريري لا بل واحدة وهي قبوله بتوزير سني من اللقاء التشاوري او ما يرتضونه وأنه سيقدّم للسعودية هذا الخيار كآخر دواء قبل ان تسحب منه المهمة. وهكذا يجر السعودية نحو القبول بل إنها «مضطرة» للقبول، حسب المصدر.
مشكلة الحريري اليوم ان غطاء الرئيس ميشال عون وحده مَن يحمي ظهره بعد ان صارت العلاقة بالقوات مضطربة وبعد أن تقدم النائب السابق وليد جبنلاط باتجاه قصر بعبدا موفداً نواباً وشخصيات من حزبه للقاء عون والتشديد على تأييد مواقفه، خصوصاً أنّ ما صرّح به الوزير مروان حمادة لافتاً برمزية حمادة المعروف بتأييده للحريرية وبما يعنيه من موقف جديد يطرحه الحزب التقدمي الاشتراكي بكلام حمادة الذي أيد فيه حق تمثيل «الجميع» في الحكومة.
هكذا يسارع الحريري اليوم لحماية تكليفه وللحفاظ على تغطية الرئيس ميشال عون ودعمه.