الإسراع بتشكيل الحكومة اللبنانية إشارات وملامح
روزانا رمّال
توحّدت النيات حول الإسراع بتشكيل حكومة لبنانية بأقصى سرعة ممكنة حتى صارت مفردات لمح البصر والتسابق نحو صوغ بيان وزاري سلفاً هو المعمول عليه قبل أن تبصر النور والأسباب ليست مبهمة بالنسبة للبنانيين الذين كادوا يشهدون ولادتها أكثر من مرة، لكنها اليوم صارت أكثر وضوحاً بعد التنازل الذي أبداه أغلب المعرقلين.
رفض الرئيس المكلف سعد الحريري توزير أي «سني»، حسب مقترح حزب الله الذي أصرّ على الوفاء لحلفائه او ما يرتضونه وبالمحصلة التغيير بالموقف حدث حتى ولو لم يأتِ على شكل توزير سني من قلب اللقاء التشاوري لئلا يظهر التنازل الفاقع، لكن هذا لن يلغي التنازل «السياسي» الذي قد يكون للمرة الأولى تنازلاً يصبّ في مصلحة لبنان وإقلاع حكومته بدل حسابات الهزيمة والربح. الليونة الواضحة من الحريري تكشّفت مفاعليها في آخر زيارة له في لندن، حيث تحدّث بموقف دفاعي عن حزب الله بعيد كل البعد عن أي ارتباط سعودي معهود وكانت الرسالة الطيبة وصلت لحزب الله عبر تقديم الحريري مواقف بمفعول رجعي عن حرب تموز فبعد أن اعتبر الحزب مغامراً، قال «يُقال بكل وقاحة إن «حزب الله» ينتهك القرارات الدولية بسبب الأنفاق، يجب علينا أولاً أن نسأل عن عدد الانتهاكات الإسرائيلية بالبر والجو والبحر». ثم أضاف «حرب تموز لم تضعف لبنان، ولم تضعف «حزب الله» الذي يقول إن لديه 100 ألف صاروخ».
مواقف الحريري تتكفل ببيان وزاري سلس وهادئ على إيقاع ما أراد إرساله. امين عام حزب الله كان قد نصح الأفرقاء اللبنانيين بآخر خطاب توجّه به أن يتوقفوا عن المكابرة باتجاه سورية والمنطقة وعدم الرهان على أي متغير قد يثني الحزب عن التمسك بتوزير سني أو إرضاء حلفائه حتى أنه قال إنه مستعدّ للانتظار سنتين حتى يتحقق هذا الهدف. في هذا الوقت بدا حزب الله أنه يعرقل الحكومة ويعطلها، لكن سرعان ما تبين أن كلمة السر عند الحريري وحده القادر على القبول بتدوير الزوايا، وها هو قد قبلها.
ليونة الحريري ليست وليدة مصادفة محلية أو تفاهمات سياسية، بل هي نتيجة عدم وجود ضغط خارجي عليه مشابه لذلك الضغط الذي تعرض له بتمسكه بمطالب القوات وتأخير تشكيل الحكومة خمسة أشهر من اجل العقدة المسيحية كما سُمّيت.. هذا الضغط كان يلازم التصعيد في الحديدة باليمن وكان يلازم أيضاً تعقيد تشكيل حكومة عراقية وكلها حسابات سعودية صرفة اختفت اليوم.
بدء الحلحلة السياسية الجدية للمرة الأولى في اليمن وتحديداً في «الحديدة» التي أخذت الأمور نحو حسم بهذا الاتجاه يتقاطع مع متغيرات كبيرة في سورية ومعها بعد زيارة الرئيس المعني مباشرة بحرب اليمن، وهو الرئيس السوداني عمر البشير الذي شارك جنده مع التحالف العربي في العملية السعودية الطويلة، وكأن الرسالة السعودية وصلت للرئيس السوري أن الانفتاح أتى وقد قضي الأمر. واليوم صار الحديث عن زيارة الرئيس العراقي ودعوة سورية للقمة العربية في تونس ليأتي الإعلان عن نية الانسحاب الأميركي من سورية الدليل القاطع على المتغيرات الآتية والحسابات الكبرى ولبنان واقع ضمنها.
محلياً لم يعد الشارع اللبناني مكفولاً أو مضموناً لجهة تحمل المزيد من الضغوط، بل إن اللبنانيين الذين يطالعون تواتر أخبار ولادة حكومة لا يعتبرون انها قد تحمل أملاً ما بالتغيير والتحركات بدأت ومستمرة لهذا الغرض صار هاجس الشارع موجوداً عند كل الافرقاء. وبالتالي فإن الأسرع بتشكيل الحكومة ضروري بهذا التوقيت قبل انفلات الامور. التطورات المحلية والاقليمية الكبيرة ستولد حكومة قريبة في لبنان والعراق مما يعني ايضاً ولادة بيان وزاري سريع عملاً بهذه الحسابات، لكن اشارات اخرى تلوح بأفق المنطقة تطلب من لبنان حكومة متماسكة تواجه المتغيرات الآتية من سورية.
ترجّح مصادر متابعة لـ»البناء» ان «يتم تمثيل سورية في مؤتمر القمة الاقتصادي العربي المعقود في لبنان مطلع العام وإذا خابت التوقعات لأسباب «شكلية»، فإن المطلوب من اللبنانيين «إقليمياً» حكومة قادرة على التعاطي مع التطورات السياسية في سورية بما تطلبه الظروف الجديدة، كما ان اعادة الاعمار التي صارت على جدول اعمال الدول الكبرى وتسوية ملفات الحرب وذيولها تضع لبنان على خريطة الطريق المؤدي للشروع في العملية الدولية الكبرى التي تنهض لتستقبل وفوداً دولية بقلب بيروت وأخيراً صارت التوقعات حول دعوة سورية الى القمة العربية المقبلة أكثر جدية مع ترجيحات عربية بدعوتها بوقت قريب».
ليس مهماً شكل او اسم او طريقة التخريجة الحكومية، الأهم ان التطورات المحيطة صارت اقوى من رفض جهة لبنانية من هنا او هناك لموازين قوى جديدة فرضت نفسها عسكرياً بالمنطقة وترجمت نيابياً بالانتخابات الاخيرة. الحكومة اللبنانية جزء من «كل» ولا يمكن فصل مسار تشكيلها او تعطيلها او تفعيلها عن مجمل تطورات منطقة تعيش اختتام حفلة جنون الربيع العربي.