محمّد علّام … علم كروي لم يرفرف كثيراً الحرب أبعدته والغربه خطفته بعيداً
ابراهيم وزنه
أعلام كروية كثيرة رفرفت في سماء ملاعبنا المحلية، فمن رحم الملاعب الشعبية وضواحي العاصمة كانت المواهب ترتقي على سلّم المجد الكروي من دون وسيط ولا واسطة، ومن برج البراجنة تحديداً، أسماء كثيرة لمعت وأسماء قليلة برزت وتألقت ثم غابت عن مسرح اللعبة الشعبية، ومحمد زكي علّام هو واحد من أولئك النجوم الذين حالت أحوال لبنان دون بروزهم لفترة طويلة. في سياق تقليبنا للذكريات الكروية ما قبل الحرب التي اندلعت في العام 1975، نتذكر محمد علّام ، ذلك اللاعب الذي حرمته الحرب إبراز نجومية كانت ستغني اللعبة وملاعبنا بالكثير، الا أن قرار الهجرة بفعل الحرب عجّلت على إطفاء هذه النجومية، حين غادر اللاعب الموهوب مع عائلته تاركاً البلاد والملاعب بحثاً عن الأمن والأمان فكانت اوستراليا هي الوجهة الآمنة في أواخر العام 1975.
ما دفعني للبحث والتقصّي عن أخبار محمد علّام هو كثرة السؤال عنه وعن أحواله من قبل لاعبين سبق ولعب معهم في الراسينغ والارشاد أو في منطقة برج البراجنة، إلى أن لعبت الصدفة دورها خلال جلسة جمعتني مع الزميل عدنان غملوش في منزله في جباع، الذي عايشه وتابعه وكان من المعجبين بلعبه، فأخبرني بأنه تواصل مع محمد علام عبر صفحته الشخصية على الفايسبوك، وهنا أمسكت بالخيط الذي قادني لفلفشة صفحات «العلّام» .. فماذا في التفاصيل؟
باختصار، برز محمد علّام مواليد 1952 المعروف في برج البراجنة بـ «زكي» مع فريق الراسينغ كلاعب سريع وموهوب، لكنه استهل مسيرته الكروية يافعاً مع نادي الأرشاد في برج البراجنة، وكان ذلك قبل انتقاله في العام 1973 إلى القلعة البيضاء، حيث لعب لموسمين قبل أن يأخذ والده زكي علاّم قرار الهجرة إلى أوستراليا بسب اندلاع الحرب الأهلية في لبنان واتساع رقعة مخاطرها.
ردّاً على سؤال، عبر الفايسبوك أفادني علّام بالآتي: «بدأت بممارسة اللعبة في الاحياء الشعبية في منطقة برج البراجنة وتحديداً على ملعب مدرسة برج البراجنة الرسمية الأولى المعروفة بمدرسة الرمل، حيث نشأت متأثراً بكبار النجوم آنذاك، أمثال حافظ عمار، سهيل رحال، حافظ جلول، فضل السباعي، وفيق الشحيمي، علي حمود، فاروق الغالي، حسين حركة، عبد القادر خير، محمد زهر، محمد جلّول، حسين ناصر، رياض عمار، حسن حرب، محمد الحمصي وعلي الموسوي وغيرهم من النجوم، والفضل الأول في اكتشاف موهبتي يعود الى عرّاب الأرشاد حسن السباعي الملقب بـ «الدرزي»، الذي اكتشف موهبتي وأنا في الثالثة عشرة من عمري، إلا أن نجوميتي لمعت بشكل لافت عندما أصبحت في سن السابعة عشرة».
وحول وصوله إلى نادي الراسينغ في حقبته الذهبية، كشف الآتي: «كنت أرغب بالتوقيع على كشوفات نادي النجمة، حبّاً بجماهيره الهادرة وتفاعل الجمهور البرجي معه، لكن سطوة نادي الراسينغ في تلك الأيام، بالاضافة إلى رغبة «الدرزي» في تسهيل عملية انتقالي إلى نادي الراسينغ كانت الأقوى، وبصراحة يومها أراد «الدرزي» أن يقدّمني كهدية لعرّاب نادي الراسينغ جوزيف أبو مراد، بهدف المحافظة على رخصة نادي الارشاد بين أندية الدرجة الثانية، في ظل إنطلاق عمليات المسح للأندية، سيما وان الارشاد لا يملك ملعباً خاصاً للتدريب، وكانت هذه من ضمن الشروط المطلوبة لأندية الدرجة الثانية». ويكمل علاّم: «اللاعبون البارزون من فريقي البرج والأرشاد كانوا ينتقلون مباشرة إلى الراسينغ والشبيبة المزرعة، وكان ابراهيم نبّوه كشّافاً نشيطاً لفريق البرج بالمقابل كان عدنان جلول الملقّب بـ «الأسد» يقوم بالدور عينه مع الارشاد» ، وشكّل علاّم مع حسين فرحات وحسين ناصر ثلاثياً مرعباً يصعب إيقافه أو الحدّ من خطورته. ومن على جنبات احدى مباريات الارشاد سعى الراسينغ إلى ضمّ علام وفرحات، فاستقدم الأول وأفلت منه الثاني باتجاه الأنصار.
وفي الحديث عن بداياته مع الراسينغ قال علّام: «وقّعت على كشوفات نادي الراسينغ في العام 1973، وفي نفس العام التحقت بخدمة العلم، وبعد انهاء مهمّتي العسكرية بدأت ألعب مع الفريق كجناح أيسر وكنت اتمتع بسرعة لافتة، مصحوبة بمهارات عالية في المراوغة، ورغبة جامحة للتهديف، وتمرير الكرات العرضية الخطرة، والحمدلله لقد برزت بشكل سريع مع فريق الراسينغ، وسافرت معه إلى العراق، ورومانيا، حيث خضنا عدة مباريات في كلا البلدين». ويكمل «العلاّم» متحسّراً على تلك الأيام: «لم استمر طويلا في الملاعب اللبنانية، نظراً لاندلاع الحرب في العام 1975، التي حرمتني من نجومية كان من الممكن أن تأخذني خارج لبنان، وهذا الكلام ليس من عندي، بل كتبته الصفحات الرياضية في الصحف اليومية مراراً وتكراراً، نتيجة مستواي الفني الذي لفت أنظار المدربين والمراقبين».
الحرب هي السبب
ومن الذكريات الغابرة استرجع علّام: «أذكر تلك الأيام جيداً وخصوصاً عند وقوع حادثة عين الرمانة الشهيرة، حيث كانت تقام دورة تحمل اسم «اشقاء حسين علي ناصر» على ملعب البرج حيث أقيم مؤخراً ملعب الوقف ، بمشاركة عدّة فرق من ضمنها فريق الدينامو ـ عين الرمانة، تابعت احدى المباريات وتوجّهت إلى ملعب المدينة الرياضية حيث كنا على موعد مع مواجهة فريق الصفاء … قبل دخولنا إلى الملعب وبينما كنت واقفاً في الممر المؤدي اليه سمعت أبو مراد يتهامس مع أحدهم قائلاً: «هل غادر لاعبو دينامو عين الرمانة منطقة المريجة، حيث ملعب البرج» ؟ سؤاله قادني للاستفسار ، فعلمت منه بأن اطلاقاً للنار قد وقع على بوسطة كانت تمر في منطقة عين الرمانة».
وعند سؤالنا علّام عن ذكريات الرحيل الأليم، قال: «بقيت عائلتنا في لبنان سبعة أشهر بعد اندلاع الحرب الأهلية، ويومها كان الراسينغ يتدرّب في منطقة الفياضية، لكن اشتداد أعمال العنف، وصعوبة التنقل دفع بوالدي إلى اتخاذ قرار الهجرة إلى أوستراليا، وبالفعل غادرت لبنان تاركاً خلفي ذكريات لا تنتسى، علماً بأن قرار السفر جاء سريعاً بحيث لم أخبر ادارة النادي بالموضوع، وهكذا كان». ويكمل شارحاً : «بعد وصولي إلى أوستراليا، أوّل أمر فكرت فيه هو أن ألعب كرة القدم، وقد وجدت صعوبة في ذلك لعدم اتقاني اللغة الانكليزية، لكني لعبت مع عدة فرق محلية ومع الجالية اللبنانية، إلى أن تزوّجت وتفرّغت للعمل بعيداً عن امكانية احترافي للعبة هناك، رغم اعجاب المدربين بمستواي الفني وقد شاركت في قيادة مباريات في دوري المقاطعات لمدّة 15 سنة، وحالياً أتابع ابني هشام الذي يلعب مع فريق درجة ثانية وأسديه النصائح».
وعن تواصله مع أخبار الكرة اللبنانية قال: «عند وصولي إلى أوستراليا لم يكن هناك وسائل للتواصل كما هو الحال اليوم، كنت اسمع أخباراً من هنا وهناك، وخصوصاً عندما يأتي لبنانيون هاربون من فظائع الحرب وانقسام الوطن».
ولما سألته عن أفضل اللاعبين في زمانه الكروي في لبنان، ذكر لاعبين أو ثلاثة من كل فريق، مبدياً اعجابه بالحارس عبد الرحمن شبارو وبلاعب الوسط الانصاري أحمد فستق وبملك خط الوسط محمد حاطوم وبرفيق دربه وجاره الذي تمنّى لو لعب وأياه جنباً إلى جنب في الدرجة الأولى حسين فرحات. وعن المنتخب المفضل لديه في المونديال «البرازيلي في السبعينيات والارجنتيني في الثمانينيات واللعب الحلو في هذه الأيام».
وهل فكرت بالعودة إلى لبنان ؟ فردّ قائلاً :»فكّرت بذلك جدياً حيث عدت إلى لبنان بعد 20 عاماً من الغياب، أي في العام 1995، يومها هالني ما شاهدته، لقد تغيّر البلد كثيراً، التقيت ببعض الأصدقاء، وفكّرت فعلياً بالبقاء والاستقرار، لكنني صدمت بالأوضاع التي يمرّ بها لبنان من جميع النواحي لذلك قررت العودة إلى أوستراليا نهائياً». مع الاشارة إلى ان علام ترك الملاعب في العام 1989 ، ولم يزل يشارك في بطولة خاصة للكبار فوق الـ 45 سنة رغم بلوغه الـ 66 عاماً. أما عن وضعه الاجتماعي والعملي، فلعلاّم ثلاثة أولاد، هشام وأحمد وفيروز، ويعمل حالياً كشوفير تاكسي في سيدني نصف متقاعد .
علام من منظار بسّام فرحات
وعن محمد علاّم أخبرني صديقه بسام فرحات الآتي: «زكي من أكثر اللاعبين مرحاً خارج الملعب أما داخله فهو جدّي إلى أبعد الحدود، يكره الخسارة حتى في التمارين، سريع الانفعال إلى حدّ البكاء … ذات مباراة مع منتخب الطريق الجديدة تقدّم نحوي بعد ربع ساعة على إنطلاق المباراة ليعاتبني على عدم تمريري الكرات له، فقلت له أخاف عليك من مواجهة محمد الأسطة، لكنني وبعدما مررت له كرتين ركض نحوي وغمرني وقال لي هذا ما أريده منك… وفي مباراتنا مع منتخب فلسطين، وبينما كان التعادل 4 ـ 4 سيد الموقف نجح علام بتسجيل هدف التقدّم، إلا أن الحكم المنحاز سارع ليحتسب علينا ضربة جزاء قبل دقيقتين من نهاية اللقاء، لكن اعتراض علاّم ومعاتبته للحكم دفع بالجمهور للنزول إلى أرض الملعب فحصل هرج ومرج … ولم يُكمل اللقاء، فركض علاّم وهو يصرخ بأعلى صوته ربحنا .. ربحنا».
ختاماً، الأثر الطيّب الذي تركه علاّم في صفوف ناديه الأول الارشاد، دفع برئيس النادي ومكتشفه وحاضنه الأول وداعمه في كل محطاته الكروية حسن السباعي «الدرزي» إلى تسمية ابنه «زكي» تيّمناً بالعلاّم الذي ما زال أهل البرج يتذكّرون أيامه وأهدافه وخبرياته.