جلسة حواريّة مفتوحة مع أدونيس: المثقّف لا دور له في ظلّ ثقافة تُصنّف الإنسان بالمؤمن أو الكافر… وما بعد الحداثـة نـوع مـن العـودة إلـى المـاضي
خلود عبد النّبي ياسين
قدَر الشّعر أن يُقاوِم الموت، وأن يُلوّن حياتنا بألوان الجمال، فوسط حشد من الدّكاترة والطلاّب والباحثين والشّعراء والأدباء والنقّاد والمهتمّين، عاد الشّاعر والمفكّر العربيّ أدونيس إلى رحاب الجامعة اللّبنانيّة في أمسية شعريّة- حواريّة خاصّة، نظّمها المعهد العالي للدّكتوراة في سنّ الفيل، وقدّمها وأدار الحوار فيها بحماس وشغف الأستاذ كميل حمادة.
افتُتِحت الأمسية بالنّشيد اللّبناني وكلمة ترحيبيّة بالشّاعر ألقاها البروفيسور محمّد محسن الّذي نعت أدونيس «بالهادئ المُشتعِل من الدّاخل»، ثمّ عُرِضَت مُقتطفات من الوثائقي هذا هو اسمي… أدونيس ، والّذي بثّته قناة الميادين مؤخّرًا.
وبدأت الجلسة الحواريّة الصّاخبة، حيث تلقّى أدونيس سيلاً من الأسئلة الّتي وصفها بـ«الاتّهاميّة»، وقال ممازحًا: «يجب أن أطلب محامين».
أسئلة جمّة طُرِحت، منها:
ـ ما هو موقفك من قصيدة النّثر؟
ـ لمَ تراجع دور المثقّف العربي؟
ـ ما علاقتك بشعرك الأوّل؟
ـ هل يُعيد أدونيس النّظر في آرائه السّابقة؟
ـ كيف يستطيع أدونيس تجاوز التّراث الدّيني وهو يُوظّف لغة دينيّة في شعره؟
ـ ترى أنّ الحداثة العربيّة لم تولد بعد، ولكن ألا يُمثّل شعرك الحداثوي انعكاساً لتلك الحداثة الفكريّة والاجتماعيّة؟ أم أنّه مبتور الجذور؟
ـ هل ما زال التّراث محرّكاً لحياتنا الفكريّة والابداعيّة؟ وهل ترى أنّ الدّين السّياسي قد نفُذت أوراقه في ما نراه من مشهد دمويّ اليوم؟ وهل هذا يُبشّر برأيك بنهضة شبيهة بنهضة الغرب حين كان المشهد هو نفسه؟
ـ إنّك ترى أنّ الشّعراء العرب الحقيقيّين لا يتجاوزون الـ100، ما المعيار الّذي اعتمدته في تحكيم رأيك؟
ـ هل لك عودة قريبة إلى سورية؟
ـ كيف يُمكننا تدريب طلابنا الجامعيّين على آليّة تحثّهم على طرح الأسئلة والإشكاليّات؟
ردّ أدونيس على الأسئلة بشكل عام، فتحدّث عن « الثّابت والمتحوّل» بأنّه كان مجرّد صيغة حتّى ندرس التّراث العربي من داخله وبأدواته، وإذا أردتُ إعادة كتابته فهذا ممكن كثيراً.
وأشار بعدها، إلى أنّ المثقّف لا دور له، لأنّ لا مكان له في المجتمع، في ظلّ ثقافة تُصنّف الإنسان بالمؤمن أو الكافر، ففي هذه المجتمعات، على المثقّف أن يكون راديكاليًّا، فكلّ شخص يُريد التّغيير، لا بدّ أن يكون راديكاليًّا، لافتاً إلى أنّ الثّورات الّتي حصلت منذ الخمسينيّات حتّى اليوم، قامت على أساس تغيير السّلطة، لا بهدف قضيّة اجتماعيّة أو ثقافيّة، والدّليل أنّ الثّقافة والأوضاع الاجتماعيّة من وقتها في انهيار، فنحن أمّة لا تعترف بالخطأ، حتّى حين اعترف الرّئيس الرّاحل جمال عبد النّاصر بخطئه بعد الحرب، طالبته الجماهير بالبقاء، ولم تُعطِه فرصة لتنفيذ قراره.
وتكلّم أدونيس عن نسبة القراءة في العالم العربي مقارنة ببلد صغير كاليونان وفق إحصاءات الأونيسكو، قائلاً: أنّنا نقرأ أقلّ من دقيقة يوميًّا، فنحن العرب لا نقرأ، بل نستمع ونلهو ونلعب.
وتطرّق إلى قصّة انتمائه إلى الحزب القومي السّوري الاجتماعي، مُبدِياً إعجابه بفكر أنطون سعاده، ذاكرًا قرار انفصاله عن الحزب لاحقًا، مشيرًا إلى أنّ قراره ناجم عن قناعة شخصيّة، ولم يحثّ باقي الشّعراء على الاقتداء به في هذا المجال.
تابع أدونيس حديثه عن تحيّزه الدّائم للعنصر الأنثوي، ولفت إلى أنّه قرأ الشّعر العربي، وكذلك النّثر، وأسهب في الحديث عن ابن رشد، منتقدًا طمس نتاجه في مكتبات مهمّة.
أمّا في ما يتعلّق بقصيدة النّثر، فقال إنّ أحد العباقرة حصر الأوزان بـ14 بحرًا، وتساءل ألا يحقّ لغيره الخروج على هذه الإيقاعات؟
ثمّ سلّط أدونيس الضّوء على ما بعد الحداثة، مشيراً إلى أنّها تعني القدامة، وليس المستقبل، وهي نوع من العودة إلى الماضي.
ولفت إلى أنّه يُوظّف لغة دينيّة في شعره، لكن بعد أن يُفرِغها من الدّلالات، فتعود بكرًا جديدة .
بعدها تحدّث عن طريقته في تعليم طلاّبه سابقًا في الجامعة اللّبنانيّة، حيث كان يطلب منهم شرح الدّروس أمام بعضهم البعض، ويحثّهم على طرح الأسئلة النّقديّة والإشكاليّات.
أمّا بشأن عودته إلى سورية، فأشار إلى أنّه لم يغب عن السّاحة الثّقافيّة هناك.
وفاجأ الشّاعر الحضور بحديثه عن أصوله اللّبنانيّة، وعن عائلته الموجودة في بلدة حجولا ، وهي إحدى قرى قضاء جبيل اللّبنانيّة في محافظة جبل لبنان، وأنّه خرج من سورية من دون أوراق ثبوتيّة، وكيف ساعدته جذوره في الحصول على الجنسيّة اللّبنانيّة لاحقاً.
ونفى أدونيس أنّه حدّد عدد الشّعراء العرب الحقيقيّين بـ 100، وشبّه المُبدِع بمن يمشي في أُفق مفتوح، قائلاً : إنّه بعد خمسين سنة من الكتابة، يشعر بأنّه لم يفعل شيئاً، مضيفًا:» لا أزال تلميذاً. لم أُحقّق شيئاً بعد».
واختُتِمت الأمسية بتقديم درع تكريمي لأدونيس من قِبَل البروفيسور محمّد محسن باسم رئيس الجامعة اللّبنانيّة، وقدّمت له لوحة فنيّة من خولة طفيلي.