إلاّ الجيش…
معن حمية
كلّ الإجراءات التي تؤدّي إلى الإصلاح ومكافحة الهدر ومحاربة الفساد، إجراءات مشروعة، بما في ذلك تخفيض الإنفاق على القطاع العام، لأنّ هذا القطاع في لبنان صار متخماً بالوظائف المطلوبة منها وغير المطلوبة، وما من داعٍ لوصف هذه التخمة التحاصصية التي يدركها الجميع.
لكن السؤال، هل تخفيض أو قضم رواتب موظفي القطاع العام، خطوة كافية لتحقيق الوفر في مالية الدولة، أم أنّ هناك أبواباً أخرى لا يطرقها أحد، هي التي توفر على الدولة عشرات أضعاف ما يتحقق من تخفيض رواتب موظفي القطاع العام؟
السعي إلى تحقيق وفر في مالية الدولة، ومواجهة التحديات الاقتصادية يحتاج إلى خطة وطنية مدروسة ومتكاملة، وشرط نجاح أيّ خطة وجود إرادات مصمّمة على مكافحة الفساد من جذوره، ولا نذيع سراً بأنّ أصل الفساد وجذره هو في النظام الطائفي الذي يعيد إنتاج نفسه في كلّ المراحل ويستعصي على كلّ محاولات الإصلاح.
لا بأس في أن تعلو النبرة بوجه الفساد، فهذا يساهم في توليد ثقافة عامة ضدّ الفساد والهدر والمحاصصات، لكن هذا ليس كافياً للقضاء على هذه الآفات، لأنّ المطلوب هو القضاء على مسبّباتها المتمثلة بالنظام الطائفي.
وحتى لا يقع أحد في محظور المقاربات المجتزأة، فإنّ الوفر على الدولة ليس بقضم رواتب موظفي القطاع العام، مع التشديد على ضرورة ترشيق هذا القطاع وترشيد الإنفاق عليه ليصبح أكثر فاعلية واستقامة، بل المطلوب هو طرق أبواب أخرى كثيرة، من الأملاك البحرية إلى العديد من الأمور التي نسمع عنها صبح مساء، وصولاً إلى المليارات التي تدفع بدلات إيجار لمبانٍ تستخدمها الوزارات والمؤسسات في وقت تمتلك الدولة مئات العقارات ولا تستفيد منها.
وحتى لا يقع أحد في محظور المقاربات الخاطئة، يجب التمييز دائماً بين مؤسسات القطاع العام. فهناك مؤسسات قد تنطبق عليها سياسة التقشف وترشيد الإنفاق، إلا مؤسسة الجيش اللبناني وسائر المؤسسات العسكرية والأمنية، فإنّ أيّ مسّ بها، إنما هو مسّ بجوهر مبدأ الحرب على الفساد. لأنّ الاحتلال فساد، والإرهاب فساد، والتطرف فساد، والانفلات فساد، وغياب الاستقرار فساد، وهذا الفساد المتعدّد الأوجه تقع مسؤولية مكافحته على الجيش اللبناني وسائر المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وعليه، فإنّ مكافحة الفساد ووقف الهدر، تتطلب رؤية وخطة متكاملتين، شرط ألا تطال القوى العسكرية والأمنية، لأنّ الجيش والقوى الأمنية ضمانة استقرار لبنان وسلمه الأهلي والجيش هو الذي يدافع عن لبنان في مواجهة العدو الصهيوني والإرهاب… لذلك حذار المسّ برواتب القوى المسلحة ولا بموازنات المؤسسات العسكرية والأمنية… لأنّ هذه القوى هي التي تحمي استقرار لبنان، وفي الاستقرار فرص الازدهار الاقتصادي.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي