ساترفيلد يثير تساؤلات بتمرير دعوات للتهدئة حول مقايضة النفط بالتوطين «ستاندرد أند بورز» تشنّ حرباً استباقيّة على موازنة 2022 بالتبشير بالانهيار
كتب المحرّر السياسي
في الحروب المتعددة التي تقودها وتخوضها واشنطن في المنطقة تبدو موسكو على أعلى درجات الحذر والتنبه، فهي تتابع بعناية ما يصدر بين واشنطن وطهران من مواقف، وتهتم بما حدث بينها وبين واشنطن في محادثات سوتشي التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف بوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، والإشارات المتصلة بملفات النزاع في كوريا الشمالية وفنزويلا ومعاهدات الصواريخ والحرب السيبرانية، والحديث عن قمة أميركية روسية على هامش قمة العشرين الشهر المقبل في اليابان، بالتوازي مع حركة أميركية للضغط العسكري في الخليج والتهديد في سورية، والإسراع بخطوات تسويق صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.
ردّت موسكو على الكثير من التكهنات غير البريئة التي تحدّثت عن توافق أميركي روسي حول صفقة القرن وحول محدودية العمل العسكري المتفق عليه في إدلب، بصورة أعادت تصويب المشهد الدولي، خصوصاً أن بعض المقربين من الكرملين تحدثوا عن عدم وجود قرار لدى الرئيس بوتين بعد بصدد مقترح عقد قمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اليابان، ومواقف موسكو جاءت تباعاً في ردود المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي على تحذيرات أميركية من «حلب أخرى في إدلب» بالقول إن «الأكيد هو أنه لن تكون هناك رقة أخرى في إدلب»، والإشارة للرقة تذكير بحرب الدمار الشامل والإبادة التي خاضتها القوات الأميركية تحت عنوان الحرب مع داعش. وبالتوازي صدر من موسكو أول تعليق على مؤتمر البحرين الذي دعت إليه واشنطن في سياق التمهيد لإطلاق مشروع صفقة القرن، فاعتبرت المؤتمر خروجاً عن السياق المتفق مع القانون الدولي في مقاربة القضية الفلسطينية ومحاولة لخلق مسار بديل وصفته الخارجية الروسية بالسعي الدؤوب إلى تبديل مهمة تحقيق حل سياسي شامل بحزمة من المكافآت الاقتصادية، وتمييع مبدأ إقامة دولتين للشعبين. وهو ما اعتبرته مصادر فلسطينية تبلغت دعم موسكو لموقف منظمة التحرير الفلسطينية بمقاطعة المؤتمر، تمهيداً لمقاطعة روسية ستكون لها أبعاد كثيرة على صدقية وقدرة المشروع الأميركي على نيل فرص النجاح.
بالتوازي مع الانتباه الروسي لما يدبر في المنطقة والعالم يبدو لبنان على موعد مع محاولات تلاعب أميركية إسرائيلية، تحتاج للمزيد من الانتباه. ففي ظل الإعلان عن حصيلة إيجابية لجولة معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد تمثلت بقبول اميركي إسرائيلي للعرض اللبناني حول التلازم بين مسارات الترسيم براً وبحراً وقبول التفاوض غير المباشر برعاية أممية، نبهت مصادر متابعة مما تسرب من تمرير ساترفيلد لشرط التهدئة في قلب الحديث عن شروط النجاح لمهمته، وهو ما قراته المصادر دعوة الدولة اللبنانية للالتزام بعدم طرح مواقف تصعيدية ربما تكون ضرورية للبنان في ظل تقدم مشروع صفقة القرن وما يتصل بتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، حيث يشكل لبنان العقبة الرئيسية لهذا المشروع بالتوافق اللبناني على رفض التوطين الذي أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عزم المقاومة على جعله عنوان تحركها المقبل، فهل يعرض ساترفيلد ضمناً تحت عنوان التهدئة مقايضة النفط بالتوطين؟
مشروع التوطين الذي يشكل ركيزة صفقة القرن، التي ستطل من البحرين في الشهر المقبل، مع جولة تمهيدية في المنطقة سيبدأها جارد كوشنر صهر الرئيس الأميركي ومستشاره خلال الأيام المقبلة لا تبدو بعيدة عن المقاربات المالية التي تتعامل من خلالها بعض الوكالات الدولية المالية مع لبنان، بعدما شكل الموقف الصادر عن وكالة ستاندرد أند بورز التي تواصل تخفيض التصنيف الائتماني للبنان وتعميم صورة سوداوية عنه، سبباً للاستغراب في التعليق على موازنة 2019 ونسبة العجز فيها، بإعلان حرب استباقية على موازنة 2022 والتبشير بالانهيار، بينما اعترفت الوكالة بتخفيض نسبي للعجز في موازنة 2019 وهي لا تعلم شيئاً عن موازنات 2020 و2021 و2022، ولا يمكن قراءة موقفها إلا في سياق عدائي غير مبرر بالمعايير التقنية المالية، وما يستدعي وفق مصادر مالية الحاجة لتحرك لبناني عاجل يواجه محاولات الافتراء والتشويه التي يتعرض لها في الأسواق المالية بنية ممارسة ضغوط لا تتصل بالاعتبارات المالية الصرفة.
يتحرّك ملف ترسيم الحدود الجنوبية بسرعة وبقوّة مع حراك مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد الذي يتنقّل بين لبنان والأراضي المحتلة. وبينما أشارت أوساط سياسية مطلعة إلى عوائق جوهرية وأساسية لا تزال تحكم مسار ملف الترسيم وأن لا تفاهمات واتفاقات حول الموضوع حتى الساعة، واعتبرت الأوساط لـ»البناء» أن مسألة التلازم بين ترسيم الحدود البحرية والبرية، لم تُحسَم بعد لدى الإسرائيليين، وساترفيلد سيعود الى كيان العدو لاستكمال البحث على أن يعود الى لبنان مجدداً لاستكمال المشاورات والاتصالات.
وأمس واصل ساترفيلد جولته على المسؤولين في لبنان، فعاد الى بيروت من تل أبيب وجال على كبار المسؤولين، فزار ساترفيلد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة أكثر من ساعة ليغادر من دون الإدلاء بأي تصريح. وعرض مع رئيس الحكومة سعد الحريري آخر التطورات المحلية والإقليمية والأوضاع العامة. وفي خلال اللقاء ابلغ ساترفيلد الحريري أنه مستمرّ بمهمته للتوصل الى اتفاق لإطلاق محادثات ترسيم الحدود البحرية.
وكان ساترفيلد بحث في قصر بسترس، مع وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل. في المفاوضات حول ملف الترسيم. وفي وقت غادر المسؤول الأميركي «الخارجية» من دون الإدلاء بأي تصريح، أفادت أوساط الخارجية أن ساترفيلد نقل للبنان الجواب الإسرائيلي وفقاً للطرح اللبناني الدي تقدّم به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في موضوع المفاوضات في شأن ترسيم الحدود البحرية والبرية. والجو كان إيجابياً ولبنان تبلغ الموقف الاسرائيلي وفقاً لطرحه حول هذا الموضوع.
وفيما تشير مصادر مطلعة لـ»البناء» الى ان ساترفيلد أراد من جولته نقل الردّ الإسرائيلي الموافق على الطرح اللبناني لعدم الفصل بين ترسيم الحدود البرية والبحرية، فإن اللافت بحسب المصادر نفسها لـ»البناء» تراجع الأجواء الإيجابية في عين التينة، مع تريث الرئيس بري المصرّ على عدم ربط هذا الملف بأي ملف آخر يتصل بحزب الله وسلاحه، لافتة الى أن التقدم الذي سجل يتطلب حالياً الغوص في التفاصيل الصغيرة بدقة لعدم السماح ان يتم الخروج عن الطرح اللبناني الدقيق والواضح، ولذلك فإن لا شيء نهائيًّا بعد، لافتة الى ان الرئيس بري يعتبر ان التقدم ما زال يحتاج إلى خطوات أخرى في إطار المساعي الجارية. في مقابل بعض المعلومات التي ترى أن العمل بدأ على وضع اللمسات لعملية التفاوض بين لبنان وكيان العدو عبر الأمم المتحدة وبمتابعة أميركية.
وفي سياق متصل تتواصل الزيارات الأميركية الى قائد الجيش الذي عاد منذ نحو أسبوع من واشنطن، فإلى استقباله ساترفيلد حيث جرى البحث في الأوضاع العامة، التقى قائد الجيش أيضاً قائد القوات الجوية في القيادة الوسطى الأميركية اللواء Joseph Guastella، وبحث الجانبان سبل التعاون على صعيد تدريب القوات الجوية وتجهيزها.
ويتوقع أن يطلّ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان، ليتناول ملفات ترسيم الحدود الجنوبية، النازحين السوريين، مواجهة مخطط التوطين فضلاً عن ملفات أخرى محلية وإقليمية. تتصل بما يسمّى صفقة القرن.
إلى ذلك وقع الرئيس العماد ميشال عون مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب تبدأ من اول حزيران وتستمر حتى 21 تشرين الاول المقبل بانتظار ان يتم تحديد موعد لانعقاد اول اجتماع للجنة المال والموازنة للبدء بنقاش مشروع الموازنة. وكان وقّع الرئيس عون مرسوماً بإحالة مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2019 الى مجلس النواب، كما وقع مرسوماً بإحالة مشروع قانون الى مجلس النواب يُجيز جباية الواردات وصرف النفقات على اساس القاعدة الاثنتي عشرية حتى 30 حزيران المقبل.
واعتبرت سفارة فرنسا في لبنان أن موافقة مجلس الوزراء على الموازنة للعام 2019، يشكل مؤشراً إيجابياً لتنفيذ لبنان للالتزامات التي اتخذها خلال مؤتمر سيدر.
وأشارت الى أن الموازنة لن تصبح نهائية قبل أن يعتمدها مجلس النواب، آملة أن يتم هذا الاعتماد في أسرع وقت ممكن، مشيرة الى ان التنفيذ الفاعل لمؤتمر سيدر يتطلب وضع آلية مراقبة صلبة وشفافة، لافتة الى ان «فرنسا ستبقى إلى جانب لبنان تشارك بشكل كامل في تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر، التي من شأنها أن تمكنه من تنفيذ الإصلاحات اللازمة لمواجهة تحديات الغد، وخصوصاً في ما يتعلق بالحوكمة.»
وفي السياق، رجّحت مصادر معنية لـ»البناء» أن يقوم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارة لـ»البناء» بعد إقرار الموازنة في البرلمان، وليس قبل ذلك، مشددة على ان فرنسا مهتمة بمتابعة الاهتمام اللبناني بالإصلاحات المطلوبة منه لمواكبة مؤتمر سيدر، مع اشارة المصادر الى ان مواكبة مقررات سيدر تفرض تشكيل لجنة متابعة فرنسية لبنانية لمراقبة كل التفاصيل وحسن تنفيذ المشاريع ومعرفة ماهيتها وكيفية صرف الأموال.
من ناحية أخرى برز تصنيف وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للبنان، حيث اشار الى أن خطة ميزانية لبنان لخفض عجزه المالي إلى 7.6 بالمئة من أكثر من 11 بالمئة العام الماضي قد لا تكون كافية في حد ذاتها لتحسين ثقة المودعين والمستثمرين غير المقيمين، والتي تراجعت في الأشهر الأخيرة. وكانت «ستاندرد آند بورز» وضعت لبنان عند تصنيف B- مع نظرة مستقبلية سلبية في أول آذار.
وفي السياق نفسه، رأت مصادر نيابية لـ»البناء» أن هذه الموازنة التي ستشهد نقاشات مطوّلة داخل جلسة مجلس النواب لا تتضمن الإصلاحات المطلوبة، فهي تفتقد الى الإجراءات المتصلة بخطة ماكينزي المفترض أن تضع حداً للعجز في المدفوعات، معتبرة أن هذه الموازنة لم تأت أيضاً على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، علماً أن القطاع العام أثبت فشله في إدارة قطاعات الكهرباء والاتصالات والمرفأ، مشدّدة على أن هذه الأمور سوف يتم الغوص فيها في الهيئة العامة لا سيما أن هذه الموازنة التي لم تمسّ بالرواتب ذهبت بعيداً في فرض ضرائب ستطال كل القطاعات العامة من دون أن يأخذ الوزراء بعين الاعتبار ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة.
ورأى وزير الخارجية جبران باسيل أن الخفض في العجز جيّد، لكن أقلّ بكثير مما كان يمكن تحقيقه معتبرا أن الأهم هو الالتزام به. وقال بعد اجتماع تكتل لبنان القوي: «نتحفظ بشكل كبير حول ما جرى بالنسبة لموضوع زيادة مداخيل الاتصالات وقدّمنا إجراءات واعتقدنا أننا حققنا إنجازاً، لكنها عادت وشطبت». وأوضح أن موضوع قانون استعادة الأموال المنهوبة لم يمر مؤكداً أن التكتل سيقدمه في اجتماعه اما قبل العيد او بعده مباشرة. وأشار الى أن التحدي هو الحفاظ على ما تمّ تحقيقه، لافتاً الى أنه «إذا أراد كل فريق في الحكومة أن يخرج في مجلس النواب عما اتُفق عليه فلن يبقى شيء من الموازنة».