لماذا تستهدف حكومة لبنان سورية؟
محمد حمية
تواصل الحكومة اللبنانية سياستها المعادية لسورية على المستويات كافة، من ملف ترسيم الحدود البحرية في الشمال الى ملف النزوح السوري فضلاً عن تعطيل فريق داخل الحكومة أي انفتاح لبناني على سورية ولو كانت النتيجة على حساب الاقتصاد اللبناني.
يحاول فريق المستقبل – الاشتراكي – القوات التغطية على موقفه المتماهي مع القرار الخارجي بإبقاء النازحين في لبنان لأهداف متعددة عبر اتباع سياسة الهروب الى الأمام وتوجيه اصابع الاتهام الى الدولة السورية بأنها لا تريد استعادة مواطنيها المهجرين بهدف إحداث تحول في ديموغرافية سورية، بحسب قولهم.
بعيداً عمن يتحمل المسؤولية في إعادة النازحين، لا بد من السؤال عمن تسبب بهذا النزوح السوري الكبير والمخطط والممنهج الى الدول المجاورة لسورية؟ ومَن ساهم من السياسيين اللبنانيين بإدخال موجات النازحين المتتالية الى لبنان؟ ألم يتم ذلك في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان وحكومة الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام اللذين مثلا تيار المستقبل في الحكم آنذاك؟ ألم تكن قوى غربية وإقليمية وعربية وتنظيمات إرهابية وراء اشعال الحرب على سورية بتواطؤ مما يسمّى المجتمع الدولي؟ وألم يكن هناك قرار غربي مسبق بتهجير النازحين؟
هذه الإدانات لا تحتاج الى أدلة وما أكثرها في مراكز الدراسات والمواقع الإعلامية والصحف الغربية والعالمية وموثقة باعترافات بالجملة من مسؤولين عرب وغربيين وقادة إرهابيين، ولكن لا ضير من التذكير بسؤال أحد المسؤولين الايطاليين لدى زيارته الى أحد مخيمات النزوح في اقليم كردستان في بداية الأزمة السورية عن سبب إنشاء المخيمات فيما لا يتواجد فيها إلا القليل من النازحين! فكان الجواب من قيادة الإقليم «بأنهم سيأتون قريباً».
والواضح أن حكومة لبنان تلتزم بالخطة الاميركية الخليجية لمحاصرة سورية بتأخير عودة النازحين لابقائهم ورقة أمنية تُستخدم في الساحة اللبنانية عندما يحتاج الخارج اليها، وللضغط على الدولة السورية في مفاوضات الحل السياسي والانتخابات السورية المقبلة، ما يعني عملياً عرقلة أي انفتاح لبناني على سورية، علماً أن حل الضائقة الاقتصادية لا يكون الا بفتح الحدود اللبنانية السورية مع الأردن والعراق امتداداً الى الخليج.
أما في ملف ترسيم الحدود، فلا يتوانى الفريق الحريري القواتي الاشتراكي عن التشويش على موقف الدولة السورية والإيحاء بأن حكومة دمشق لا تريد الترسيم، علماً أن السلطات السورية بحسب معلومات «البناء» أعلنت للمسؤولين اللبنانيين استعدادها لبدء الترسيم البحري وأي خطوة باتجاه تحسين العلاقات مع لبنان، في المقابل تخضع الحكومة للإملاءات الاميركية ولا تحرك ساكناً أمام تسويف «إسرائيل» و»وسيط غب الطلب» لتلبية المطالب الإسرائيلية دايفيد ساترفيلد ومصلحة بلاده بتحييد حزب الله عن الصراع مع ايران، وذلك بإجبار لبنان على حل النزاع البحري وتجميد النزاعات الحدودية في البر، إلا أن الملاحظ والمستغرب أن كل المكونات الحكومية لا تعترض على هذا النفوذ الحريري في سياسة لبنان السورية، وتكتفي بالاعتراض والتحفظ على مواقف يعلنها الحريري باسم الحكومة من دون تشاور واتفاق مسبق حولها كموقفه في قمم مكة على سبيل المثال لا الحصر! وتفسر مصادر ذلك الى ضرورات تسيير عمل الحكومة والحفاظ على التسوية الرئاسية والاستقرار السياسي والأمني وتحصين الموقف الداخلي في وجه المشاريع الخارجية وتحديداً صفقة القرن والتوطين.
أما الأخطر، فهو أن التوتر السائد في العلاقات اللبنانية – السورية بات يتجاوز المستوى الرسمي بين الحكومتين ليطال الشعبين اللبناني والسوري على خلفية ضغط النزوح السوري على الاقتصاد والمجتمع اللبناني، مع ظهور جيوش إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي من الجهتين تُسعّر هذا التوتر مع اتهامات متبادلة بالعنصرية وتهديد بتظاهر وإضراب نازحين، وهذه الحملات المضادة ليست أطراف سياسية وإعلامية لبنانية وسورية وجهات استخبارية خارجية بعيدة عنها، تعمل على «صب الزيت على النار».
تحمل هذه المحاولات أهدافاً دفينة تساهم في تأجيج الخلاف بين الحكومتين ونقلها الى مستويات شعبية، أما الأهداف فهي التالية:
– قطع الطريق على الوفد الروسي الموجود في لبنان الآن لتفعيل المبادرة الروسية لإعادة النازحين.
– عرقلة مبادرة اللواء عباس ابراهيم عبر تحريض السوريين لعدم التعاون مع نداءات الأمن العام وحزب الله لتسهيل العودة.
– تحريض اللبنانيين على السوريين والعكس أيضاً لخلق الأحقاد بين الشعبين لافتعال أحداث أمنية ضد السوريين في لبنان واستدراج ردات فعل سورية في المجتمع اللبناني.
– تعبئة الرأي العام داخل سورية بشكل ممنهج وتدريجي لتكوين إرادة سورية عامة تضغط على حكومتها لمعاملة لبنان بالمثل وبالتالي اتخاذ إجراءات عقابية ضد لبنان منها التضييق الاقتصادي والكهربائي وصولاً الى اقفال الحدود، ما يشدُ الخناق على الاقتصاد اللبناني، الأمر الذي يُقلّص فرص إنقاذ لبنان الى واحدة فقط وهي «مؤتمر سيدر» الذي يهدف بحسب مطلعين الى الإمساك بقرار لبنان المالي والاقتصادي وبالتالي السياسي، فضلاً عن دفع لبنان لإبداء ليونة تحت ثقل الأزمات الاقتصادية والاستجابة للإغراءات المالية المرتقبة في «مؤتمر البحرين» مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين والتطبيع مع «إسرائيل».
علماً أن «سيدر» بحسب خبراء اقتصاديين، ليس إلا حلاً آجلاً يقضي بضخ بعض الأموال في الدورة الاقتصادية على شكل مشاريع استثمارية لا تعالج الأسباب الحقيقية للأزمة البنيوية، والحل العاجل والجذري هو فتح العلاقات مع سورية، وفي سياق ذلك تشير معلومات «البناء» الى أن «أطرافاً وزارية وخلال جلسات الحكومة لمناقشة الموازنة، طرحت الانفتاح السياسي على سورية كأحد الحلول للأزمة الاقتصادية بدل الذهاب الى مزيد من الاستدانة وفرض المسّ برواتب الموظفين وفرض ضرائب، فكان الرفض من فريق رئيس الحكومة بحجة أن الظروف الخارجية لا تساعد في ظل سياسة النأي بالنفس والحياد التي يعتمدها لبنان، وتساءل خبراء: هل نجحت حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري عبر استدانة عشرات مليارات الدولارات بإصلاح الاقتصاد والمالية العامة؟ فلماذا تعود حكومة الحريري الإبن الكرّة؟