طارق سامي خوري… المُجرِمُ البريء

 

إنعام خرّوبي

في خضمّ مسلسل التراجعات التي شهدها موقع المسألة الفلسطينية على أجندات الأنظمة العربية، على مدى عقود، وبعدما تحوّل ملف الصراع مع «إسرائيل» من صراع وجود إلى صراع حدود تربّعت على عرشه مفاهيم «المصلحة الوطنية» الضيّقة على حساب المفهوم الجامع حول «المصلحة القومية» الأوسع، والذي تُمثل المسألة الفلسطينية أحد أبرز أركانه، بات الحديث عن «إسرائيل» بوصفها عدواً للأمة، تحت قِبَب بعض البرلمانات والحكومات والمؤسّسات «الرسمية» العربية تهمة تستلزم إنزال أقصى عقوبات «الجَلْد السياسي»، وصولاً إلى حدّ المطالبة باعتقال ومحاكمة أو حتى سجن كل من «يتجرّأ» على الخوض في نقد ممارسات الاحتلال «الإسرائيلي».

هذا ما حصل بالضبط مع النائب الأردني طارق سامي خوري، فالمواقف التي أطلقها منذ أيام والتي رأى فيها أنّ «كلّ مواطن حرّ في الأردن يجب أن يضحّي بنفسه وأولاده، لتفجير خط غاز يمرّ بالأراضي الأردنية» داعياً إلى أن «نكون كلنا شهداء» في سياق الصراع مع العدو «الإسرائيلي»، عرّضته لوابل من الانتقادات من قبل عدد من زملائه النواب، وبعض الشخصيات السياسية والعشائرية الأردنية، وصلت إلى حدّ رفع دعوى قضائية بحقه بتهمة «التحريض على القيام بأعمال إرهابية» داخل الأردن.

مُتسلِّحاً بإرث والده المناضل القومي الاجتماعي سامي خوري، والذي عُرِف بصلابته ومواقفه المتشدّدة في بعدها القومي حيال العديد من مسائل الأمة، والتي كانت سبباً في دخوله السجن مرات عديدة، من دون أن يؤثر ذلك في مدى التزامه العقائدي ورؤيته بشأن حتمية الصراع مع العدو والنضال في وجه آلة الحرب والغطرسة «الإسرائيلية»، رافضاً كافة أشكال المساومة والتسوية على حساب مسقط رأسه فلسطين، ومنطلقاً من القاعدة التي أرساها أنطون سعاده، والتي تفيد بأنّ «حق الصراع هو حقّ التقدُّم، فلسنا بمتنازلين عن هذا الحقّ للذين يُبشروننا بالسلام ويهيّئون الحرب»، مع إسقاط تلك المقولة على واقعنا الراهن، يرى النائب خوري أنّ ما عبّر عنه هو صرخة تصدح بها حناجر غالبية أبناء الأمة، رفضاً لنهج التطبيع والمعاهدات مع الكيان الصهيوني، وبالتالي فهو ليس استهدافاً للأردن والأردنيين.

حملةُ الاستهجان والاستغراب التي جُوبهَ بها كلام خوري تكاد تكون غريبة في حدّ ذاتها، خاصة أنّ كلامه هو بمثابة دعوة إلى شعوب وحكومات العالم العربي على حدّ سواء لإنعاش الذاكرة المُثقلة بإرث الحرب المريرة مع العدو «الإسرائيلي»، بدءاً بفظاعات العصابات الصهيونية في دير ياسين في العام 1948، مروراً بمجزرة «بحر البقر» على الأراضي المصرية في العام 1970، وصولاً إلى مذبحة قبيا الواقعة على الضفة الغربية كانت حينها تحت السيادة الأردنية وقد نفذها جنود صهاينة بقيادة آرييل شارون عام 1953 ، وليس انتهاء بمجزرتي قانا في العامين 1996 و2006.

كلامُ خوري ليس تنكُّراً للأردن وجيشه وليس استهدافاً لأمنه، كما يحلو لبعض المصطادين في مواقف الرجل، بقدر ما هو تذكير ببطولات جيش ضحّى بخيرة ضباطه وعناصره من أجل فلسطين، وهو الجيش الذي تزخر صفحاته بالنقاط والفواصل المعمّدة بدماء الصمود والبطولة، خاصة في معركة «الكرامة» التي جسّدت تلاحُم الدماء الأردنية والفلسطينية، تماماً كأنها تُحاكي هذه «الوحدة الهوياتية» التي يحملها النائب الأردني من أصول فلسطينية.

دعوات خوري «المجازيّة» إلى «تفجير» أنبوب الغاز، كما أوضح في تصريحاته الأخيرة، ليست دعوة إلى استهداف الأنبوب على أرض الأردن، بصورة فعلية، إنما هي دعوة للتذكير بأنّ في زمن «صفقة القرن»، لا تزال هناك أصوات وطنية قومية لديها من الجرأة والشجاعة ما يكفي لرفض خلفيات التطبيع وتبريرها تحت عناوين «المصلحة الاقتصادية» تارة، و»المصلحة السياسية والأمنية» تارة أخرى، لعلّ الذكرى تنفع المؤمنين بما تبقى من حقوق لهذه الأمة في فلسطين، وما تبقّى من أحلام تداعب مخيّلة ملايين الشرفاء بتحريرها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى