شعارات غربية جديدة لتبرير الاستعمار المتواصل للمنطقة العربية
د. وفيق إبراهيم
يُبدّلُ الغربُ شعاراته الكبرى تبعاً لحاجات حركته الاستعمارية المتواصلة منذ أربعة قرون على الأقلّ.
يقفزُ حالياً لإطلاق شعار «أمن الملاحة» في بحار الخليج من شط العرب العراقي الإيراني مروراً بمضيق هرمز الى بحر عدن حيث يتفرّعُ هذا الأمن باتجاه المحيط الهندي من جهة ونحو باب المندب في البحر الأحمر مواصلاً زحفه نحو قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط من ناحية ثانية.
فتنبثقُ ملاحظة فورية وهي عدم وجود بحر أميركي او أوروبي او اوسترالي واحد ضمن الخريطة الغربية لأمن الملاحة المزعوم.
فلماذا هذا الاهتمام إذاً؟
إنه اهتمام تاريخي بدأ مع الإغريق والرومان قبل الإسلام، منتقلاً بالوراثة الى الاستعمار الانجليزي والفرنسي ولاحقاً الأميركي وبشكل تدريجي منذ أربع مئة سنة متواصلة.
هذا ما يؤكد على وجود إمكانات معيّنة في المنطقة التي أخذت اسم الشرق الأوسط حديثاً.
وهي إمكانات الموقع والاقتصاد التي يريدها الغرب بأيّ طريقة لتحسين منافساته الداخلية فرنسا انجلتره ولاحقاً أميركا او الخارجية أميركا والغرب في وجه روسيا والصين .
أما الأكثر غرابة فهو خضوع المنطقة لهذه الصراعات الاستعمارية من دون كبير مقاومة او بالقليل منها، وهذا له علاقة بالانتحال المملوكي التركي لشعار الإسلام وسيلة لفرض الاستكانة على المنطقة، ألم يلبس الامبراطور نابليون الفرنسي ثياباً إسلامية أثناء زيارته جامع الأزهر الشريف، حيث التقى بكبار أئمته وذلك في حملته الاستعمارية على مصر في القرن التاسع عشر؟
كيف تتطوّر الشعارات التبريرية عند الغرب؟
رفع الاستعماران الفرنسي والبريطاني شعار «نشر الحضارة» منذ القرن الثامن عشر تبريراً لحروبهم الاستعمارية في آسيا وإفريقيا والأميركيتين، مبيدين ملايين البشر مخترعين دولاً محلية منحوها شكل دولهم إنما بمضمون قرون أوسطي موالٍ لهم بشكل أعمى.
واستعملوا شعار نشر الديموقراطية للمزيد من الإمساك بالدول الناشئة التي تحكم شعوباً خرجت من مرحلة عثمانية كان لحكامها صلاحيات زعموا أنهم استمدوها من ربهم، لذلك كان قطع الرؤوس حكمة ربانية.
إن ظهور مقاومات محليّة فرض على المستعمرين الانسحاب العسكري الشكلي مع إبقاء قواعد وأنظمة موالية لهم، لا تعرف ما هي الديموقراطية ولم تسمع بحضارة.
لكن الغرب بالقيادة الأميركية رفع شعار التصدي للإلحاد والشيوعية مستخدماً الواجهة الإسلامية لامارات الخليج لتسويق العداء للشيوعية منافسها في حينه الاتحاد السوفياتي.
وما أن انهار المنافس السوفياتي حتى رفع الغرب الأميركي شعار أسلحة الدمار الشامل في العراق مبرراً بذلك اجتياحه لهذا البلد واستعماره منذ 2003 بشكل متواصل وتعزيز قواعده وانتشاره في بلدان الخليج.
وأكملها بخطة لتفجير المنطقة العربية عبر دعم إرهاب عالمي تبنّاه حلفاؤه الأتراك والخليجيون بشكل مباشر.
ولما بدأ الإرهاب بالتراجع رفع الغرب شعار مكافحة الإرهاب، سامحاً لنفسه احتلال شرق سورية وشمالها عاملاً على إذكاء فتنة سنية شيعية بدا أن هدفه منها القضاء على السنة والشيعة معاً، بالاضافة الى مسيحيي المنطقة وأقلياتها.
كان مراده إعادة تأسيس جديدة للمنطقة على غرار ما فعله في مطلع القرن العشرين على مستوى تأسيس كانتونات ودويلات جديدة مستتبعة للغرب لقرنين مقبلين على الأقل.
لكنه بوغت بمقاومات ملأت المنطقة من لبنان إلى اليمن عبر سورية والعراق، إلى جانب دور مركزي إيراني نجح في مجابهة الأميركيين معمّماً تحالفات واسعة على مستوى الشرق الأوسط.
ولأن العقوبات الأميركية على إيران والعداء الخليجي الإسرائيلي الأميركي لم ينجح بتصديعها لجأ الغرب الأميركي البريطاني الى رفع شعار «حرية الملاحة» في منطقة تبعد عنه عشرات آلاف الأميال البحرية، فتنشأ معادلة هي الأغرب من نوعها في التاريخ: حصار غربي على إيران خليجية وأمن ملاحة لبقية بلدان الخليج ذات الولاء الأميركي بواسطة البوارج الاميركية والبريطانية، علماً ان هذين البلدين لا يستوردان النفط والغاز من الخليج ولديهما في بلدانهما أكثر من حاجاتهما.
فيشكل «أمن الملاحة» في الخليج معادلتين: ارهاب دول الخليج من إيران واستمرار النهب الغربي للاقتصاد الخليجي ما يعزز فرضية حاجة الغرب لاستعمار دائم بأشكال مختلفة مباشرة وغير مباشرة لمواصلة التهام المنطقة.
هناك آراء أخرى تذهب الى أبعد وتعتبر شعار أمن الملاحة وسيلة التفافية تملأ دور «صفقة القرن» المتراجعة بأسلوب جديد.
فإذا نجحت خطة أمن الملاحة بإسقاط إيران عبر الاستمرار بحصارها والتضييق عليها الى درجات الخنق، فهذا يستتبع عودة مشروع إلغاء القضية الفلسطينية الى الحياة بعد تعرّضه لضربة مميتة في سورية وفلسطين.
لذلك لا بد من القول إن الشكل الاستعماري الجديد المتسربل بأمن الملاحة، هو مشروع حرب فورية وطويلة الأمد، ولأنها على هذا النحو، فإنها مشروع يدفع باتجاه تطوير حلف مقاومة الغرب و»إسرائيل» نحو مناطق عربية جديدة، لن ترضى بأنظمتها التي لا تكتفي بسرقة الاقتصاد بل تحاول بيع التاريخ وإلغاء المنطقة خدمة للاستعمار الغربي.