ردود إيران القوية… زمن الهيمنة الاستعمارية ولّى
حسن حردان
كلّ الأنظار باتت هذه الأيام متجهة صوب الخليج حيث يشتدّ الصراع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من ناحية وقوى الاستعمار الغربي من ناحية ثانية.. الدول الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن فشلت في إسقاط الدولة الوطنية السورية المستقلة والمقاومة، وفكّ عرى تحالفها مع ايران، وعزلها، وبالتالي إنهاء دورها في دعم قوى المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني، بعد فشلها في تحقيق كلّ ذلك استدارت نحو فتح المعركة مباشرة مع طهران متوسلة تحقيق نفس الأهداف…
بداية المعركة كانت عبر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي ومن ثم إعلان شنّ حرب اقتصادية على إيران بتشديد الحصار عليها بغية تصفير صادراتها من النفط والغاز، وربط وقف هذه الحرب بموافقة طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن لتعديل الاتفاق النووي بحيث يشمل نقاش دور إيران في المنطقة وبرنامجها الصاروخي.. أيّ أنّ الهدف الأساسي من الحرب الاقتصادية إجبار ودفع القيادة الإيرانية إلى التخلي عن مبادئ ثورتها الإسلامية التحررية والتوقف عن مواجهتها للهيمنة الاستعمارية ودعمها للمقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني، وبالتالي الخضوع للسياسة الأميركية وعودة إيران إلى بيت الطاعة الأميركي الغربي كدولة تابعة كما كانت عليه ايام شاه إيران…
هذا بكلّ بساطة ما تريده واشنطن وحلفائها من الدول الغربية الاستعمارية من وراء عدم الالتزام بالاتفاق النووي والانقلاب عليه، وإبقاء إيران وحيدة ملتزمة بشروطه من دون أن تحصل على المكاسب التي يعطيها إياه…
لكن من الواضح أنّ إيران الثورة، التي بنت دولة مستقلة واقتصاداً إنتاجياً زراعياً وصناعياً، ومشروعاً نووياً للأغراض السلمية، وامتلكت المعرفة والتقنية التي كانت حكراً على الغرب، وحققت الاكتفاء الذاتي في الغذاء والدواء، وباتت اليوم أكثر قوة وقدرة على مواجهة الحرب الاقتصادية الأميركية الغربية مما كانت عليه قبل 40 عاماً في أعقاب انتصار ثورتها على نظام الشاه، وهي تملك الإرادة التحررية الصلبة والشجاعة على المواجهة وإحباط الأهداف الاستعمارية في النيل من استقلالها وثوابتها التحررية المناهضة للاستعمار والداعمة لقوى المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني ركيزة القوى الغربية إلى جانب الحكومات الرجعية لفرض وتكريس الهيمنة والسيطرة الاستعمارية على المنطقة وثرواتها… وأيّ مراقب يلحظ قوة وصلابة وحزم الموقف الإيراني في مواجهة التهديدات والاعتداءات على السيادة الإيرانية من قبل أميركا وبريطانيا… على انّ الموقف الصلب والقوي لإيران تجلى قولاً وفعلاً من خلال…
أولاً: المواقف الحاسمة في رفض الشروط الأميركية للتفاوض والإصرار من قبل جميع مستويات القيادة في إيران على رفع العقوبات الأميركية وعودة واشنطن إلى الالتزام بالاتفاق النووي قبل الحديث عن أيّ تفاوض، وهو طبعاً ما أصاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريق إدارته بالغضب والصدمة… والذي زاد منهما فشل الحصار الأميركي في تصفير صادرات النفط الايرانية نتيجة رفض العديد من الدول الالتزام بالحظر الأميركي وفي المقدّمة الصين وروسيا والعراق الذي اضطرت واشنطن إلى إعفائه من الالتزام بالعقوبات على إيران…
ثانياً: إقدام الحرس الثوري للجمهورية الإسلامية على إسقاط طائرة تجسّس أميركية لدى اختراقها الأجواء الإيرانية.. في تأكيد على ترجمة الموقف الرسمي الإيراني عملياً بعدم التهاون في مواجهة ايّ تهديد أو اعتداء او خرق للسيادة الإيرانية..
ثالثاً: الردّ على احتجاز بريطانيا ناقلة نفط إيرانية وعلى عدم إطلاقها باحتجاز ناقلة نفط بريطانية.. بريطانيا اعتقدت انّ إيران لن تجرؤ على الردّ بالمثل.. ولهذا لم تأخذ العبرة من إسقاط الطائرة الأميركية..
هذا الردّ الإيراني بالقول والفعل على الحصار والتهديدات والانتهاكات الأميركية البريطانية أوصل رسائل قوية لكلّ من واشنطن ولندن بانّ ايّ اعتداء او انتهاك لسيادة إيران سيواجَه بردّ قوي وإيران جاهزة لكلّ الاحتمالات وهي ليست على استعداد للمساومة على بوابتها وحقوقها وسيادتها.. على أنّ هذه الرسائل الحازمة والقوية أردفت برسالة لا تقلّ قوة وهي استخدام إيران حقها في الردّ على عدم التزام الدول الغربية بتعهّداتها في الاتفاق النووي عبر بدء طهران تقليص تدريجي في التزامها في الاتفاق بداية برفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 3.67 بالمئة الى 4.30 بالمئة، وفي حال استمرت الدول الغربية في عدم الالتزام العملي بتعهّداتها فإنّ إيران سترفع نسبة التخصيب بعد انقضاء مهلة الـ 60 يوماً الجديدة إلى 10 في المئة وصولاً بعد ذلك إلى 20 في المئة، حتى تؤمّن كلّ احتياجاتها لتشغيل مفاعل آراك وغيره من الاحتياجات التي تتطلبها الأبحاث العلمية…
هذه الرسائل القوية تحصل في وقت تجد فيه كلّ من واشنطن ولندن أنهما في حالة ارتداع من الإقدام على ايّ مغامرة عسكرية ضدّ إيران ولو بضربة محدودة لأنّ إيران ستردّ بقوة بضرب القوات والقواعد والسفن الحربية الأميركية والبريطانية التي تقع كلها تحت مرمى الصواريخ الإيرانية المتطوّرة والقادرة على إيقاع خسائر جسيمة فيها.. وبسبب هذه القدرات الإيرانية والحزم من قبل القيادة الإيرانية في الردّ على ايّ اعتداء امتنعت إدارة ترامب عن الردّ على إسقاط الطائرة الأميركية.. وتحاذر بريطانيا من الإقدام على ايّ عمل عسكري لم تجرؤ حليفتها الأكبر واشنطن على الإقدام عليه..
انّ الغرب الاستعماري لم يعتد على إيران دولة قوية مستقلة وقادرة على تغيير المعادلات وفرض قواعد جديدة للاشتباك في الخليج.. ولأنه كذلك أقدم على ارتكاب حماقات غير محسوبة النتائج يدفع ثمنها هذه الأيام بأضعاف هيبته وسطوته.. وردود إيران المتعددة على التعديات الأميركية البريطانية والمناورات الغربية بعدم الالتزام بالاتفاق النووي، أكدت أنّ زمن فرض الهيمنة الاستعمارية على إيران، وغيرها من الدول المستقلة مثل سورية وفنزويلا، ولّى إلى غير رجعة وعلى الغرب احترام سيادة واستقلال إيران والتعامل معها بندية…