الدبلوماسية والشرعية
السفير د. علي أحمد الديلمي
في ظلّ خسائر السلطة الشرعية على الأرض في الشمال والجنوب، ومع تزايد وتيرة الفساد في إطار السلطة الشرعية فإنّ عملية استعادة الدولة أصبحت شبه مستحيلة بسبب شرعيتها المتآكلة. لذلك فإنّ إعادة بناء الشرعية في الظروف الحالية التي تعيشها اليمن أصبحت ضرورة تتحمّلها جميع القوى السياسية ودول التحالف العربي .
وبما أنّ العمل الخارجي هو من أهمّ الأدوات التي يمكن استخدامها في استعادة الدولة وإقناع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وكلّ دول العالم بذلك، بات من الأهمية بمكان أن تستوعب السلطة الشرعية أنها لن تستطيع دعم شرعيتها ما لم تستخدم العمل الدبلوماسي كما ينبغي أن تكون عليه الدبلوماسية اليمنية، فالجمود الحاصل في العمل الدبلوماسي وتآكل سلطة الشرعية هما نتيجة إخفاق السياسة الخارجية في إيصال القضية الوطنية اليمنية ومسألة استعادة الدولة إلى كلّ المحافل والمنظمات الدولية ودول العالم.
ولعلّ أهم أسباب فشل الدبلوماسية اليمنية وجمودها هو فساد قيادة الوزارة وعشوائية التعيينات الدبلوماسية التي تمّت وكانت بمعظمها من خارج السلك الدبلوماسي حيث تمّ شغل المواقع الدبلوماسية من قبل مجموعة من المتقاعدين الذين أصابهم الجمود ولم يعودوا قادرين على الحركة والعمل من أجل قضية اليمن، بالإضافة إلى أنّ الذين تمّ تعيينهم في الفترة الأخيرة هم من أبناء وزراء الشرعية وقادة الأحزاب السياسية بالمحسوبيات ما خلّف عدداً كبيراً من الدبلوماسيين غير الكفوئين.
وفي سبيل تفعيل العمل الدبلوماسي لخدمة القضية الوطنية يجب إعادة الدبلوماسيين من المناطق الشمالية والجنوبية الذين تمّ إقصاؤهم قسرياً والتصدّي لمحاولات فرض التقاسم الحزبي والمناطقي للوظائف في هذا الجهاز الحسّاس بعد سيطرة فئة غير قادرة وغير مؤهلة مفتقدة إلى الخبرة والدراية بإدارة الدبلوماسية عليه.
إنّ هذه الإشكالية أثرت بشكل كبير على واقع السياسة الخارجية وجعلت منها سياسة ارتجالية، سياسة تعتمد على ردّ الفعل بدل الفعل، ما جعلها تواجه الكثير من الإخفاقات والمشاكل، وهذا ما يحتّم ضرورة تحييد مؤسّسة الخارجية عن تجاذبات القوى السياسية المختلفة التي تتسابق على التعيينات في مناصب حساسة تحتاج وظائفها إلى اختصاص وخبرة، مع الإشارة إلى أنّ القانون يمنع الدبلوماسيين من ممارسة العمل الحزبي، لأنّ ذلك يتعارض مع أدائهم مهمّاتهم وهي تمثيل كامل الوطن اليمني بمهنية وشرف وأمانة.
من خلال ما سبق، يمكن القول إنّ بناء دور دبلوماسي لليمن في المرحلة الراهنة لا يتحقّق إلا عندما يكون الرئيس قادراً على تعيين قيادة دبلوماسية تعمل على إعادة القضية الوطنية إلى الصدارة وتحديد هوية السياسة الخارجية اليمنية، ما يخلق أجواء من الثقة في قدرة اليمن على إقناع المجتمع الدولي بطرحه وعدالة قضيته لتحقيق مزيد من التموقع والاهتمام على الساحة الدولية. ولا يمكن أن يضطلع بهذه المهمة إلا شخصيات ذات خبرة وتحظى بالإجماع، شخصيات تعيد السلطة من خلالها قولبة العمل الدبلوماسي ووضع رؤية وهدف واضحين، وإعادة النظر بالسياسة الخارجية اليمنية والاهتمام بالبعثات المعتمدة في الخارج والاستفادة القصوى من الكادر الدبلوماسي الذي يضمّ شخصيات تتمتع بالخبرة والكفاءة العالية فتكون بذلك الوسيلة التي من خلالها يمكن استعادة الدولة وسلطاتها.
أما إذا بقي الوضع على ما هو عليه في ظلّ القيادة الحالية التي لم تحقق أيّ شيء يذكر، بل إنها ساهمت في تدمير وزارة الخارجية من خلال نهب المال العام واعتماد المحسوبية أساساً ومعياراً للتعيينات، فلا شك في أنّ القوى الأخرى في الشمال والجنوب سيكون تأثيرها أقوى في المنظمات الدولية والإقليمية وبعض دول العالم من تأثير البعثات الدبلوماسية.
دبلوماسي يمني