ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة!
د. محمد سيّد أحمد
تفرض انتصارات سورية العسكرية والسياسية نفسها على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ما يجعل الرئيس بشار الأسد حديث العالم أجمع، والشخصية الأكثر إثارة للجدل، خاصة بعد ظهوره المفاجئ على جبهة القتال في إدلب بعد العدوان التركي على سورية وتقدّم الجيش العربي السوري لمواجهته في الشمال الشرقي بمنطقة الجزيرة ضارباً عرض الحائط بالوجود الأميركي والصهيوني الداعم لقوات قسد الانفصالية، وفي نفس التوقيت الذي كانت تعقد فيه قمة روسية تركية بين بوتين وأردوغان.
وكانت الرسالة واضحة من وجود القائد في هذه النقطة المتقدّمة على جبهات القتال، وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يفاجئ بها الرئيس الأسد العالم بوجوده بين قواته على جبهة القتال، فقد فعلها أكثر من مرة خاصة عندما استقلّ سيارته الخاصة وقادها بنفسه، وقام ببث مباشر أثناء ذهابه الى الغوطة الشرقية وكانت المعارك على أشدّها، والرسالة واضحة وقد ذكرها أكثر من مرة أنه «لن يترك شبراً واحداً من الأرض العربية السورية محتلاً، سواء من القوات الغازية الأصيلة في هذه الحرب الكونية على سورية أو من الوكلاء الإرهابيين الذين تمّ جلبهم من كلّ أصقاع الأرض الى الأرض العربية السورية الطاهرة» في محاولة لتدنيسها، لكن هيهات أن يدنّسوها فالجيش العربي السوري يقف لهم بالمرصاد، والرئيس الأسد يعيد الى الأذهان ما كان يردّده الزعيم الخالد جمال عبد الناصر «أنّ ما أخذ بالقوة لن يستردّ إلا بالقوة».
وخلال هذا الأسبوع أطلّ علينا الرئيس الأسد وعبر التلفزيون العربي السوري وحوار مطوّل وممتع مع الإعلامي إياد خلف من الإخبارية والإعلامية اليسار معلا من السورية، ومن خلال اللقاء تأكدت أنه بالفعل لقاء إعلان الانتصار فقد تحدث الرئيس الأسد في كلّ شيء، لكن ما لفت نظري هو تأكيده على أنّ المعارك الكبرى قد انتهت، وهو ما يعني أنّ معركة تحرير إدلب تحصيل حاصل وقادمة لا محالة حيث أكد أنه «ليس أمام المسلحين الموجودين في إدلب إلا ثلاثة حلول الأول هو الفرار الى تركيا والثاني هو العودة لحضن الدولة وتسوية أوضاعهم والثالث هو الحرب»، وهذه الرؤية الواضحة تؤكد أنّ التحرير قادم مهما تأخرت المعركة فالأولوية دائماً للحلّ السياسي تجنّباً للخسائر التي يتعرّض لها الجيش العربي السوري أثناء المعارك الحربية، لكن إذا أصرّ الإرهابيون ومشغلوهم على العناد وعدم الخضوع لصوت العقل فالقتال هو الحلّ الأخير.
وفي ما يتعلق بالمعركة الأخرى في شرق الفرات فمن خلال حديث الرئيس الأسد نتأكد أنها أيضاً محسومة، فالجيش العربي السوري لن يقبل بأيّ وجود أجنبي على الأرض، فالعدو الأميركي الذي أعلن وعلى لسان رئيسه ترامب أنه لن يفرّط في النفط السوري المسروق عبر سنوات الحرب الكونية علي سورية والذي ينهب منه 350 ألف برميل يومياً بما يقدّر بسبعة مليارات من الدولارات سنوياً، لن يسمح له بالاستمرار في سرقة ونهب ثروات وخيرات سورية، والتركي الذي يعمل بالوكالة لدى الأميركي لن يسمح له بالاستمرار في احتلال الأرض العربية السورية، والقوات الكردية العميلة لدى الأميركي والصهيوني والمعروفة باسم «قسد» لن تترك وسيتمّ التعامل معها على مستويين الأول هو العودة لحضن الوطن وتسوية الأوضاع أو الحرب، وهو ما يوضح رؤية الرئيس الأسد للمشهد وتأكيده على أنّ الحليف الروسي ينطلق في مفاوضاته من مبدأ «سيادة سورية ووحدة أراضيها»، وهذا يأتي أولاً بالتفاوض وثانياً بالقوة العسكرية.
وعندما نرى الرئيس الأسد الآن تعود بنا الذاكرة سنوات للخلف فعندما هبّت على منطقتنا العربية رياح «الربيع العربي» المزعوم في أواخر العام 2010 ومطلع العام 2011 كان المتآمرون على أوطاننا أصحاب مشروع تقسيم وتفتيت المنطقة وفقاً لأحلامهم في «شرق أوسط جديد» يرون أنّ مخطط تقسيم وتفتيت سورية بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد هو الأسهل عليهم.
خاصة بعد السقوط والانهيار السريع لكلّ من زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، ثم استشهاد العقيد معمر القذافي بعد صمود ليبي في مواجهة عدوان الناتو استمرّ لما يقرب من ثمانية أشهر، ثم الخروج الذي يبدو ظاهرياً أنه سهّل لعلي عبد الله صالح في اليمن، حيث اعتبر المتآمرون سورية لقمة سائغة وسهلة في ظلّ حاكم شاب ليس لديه خبرات بن علي ومبارك والقذافي وصالح، لذلك كانت تصريحاتهم المعلنة والمتكرّرة منذ بداية المؤامرة على سورية أنّ الإطاحة بالرئيس الأسد لن تستغرق وقتاً طويلاً، فكلها أيام أو أسابيع أو شهور على أقصى التقديرات.
وبالطبع جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن فقد أثبتت الأيام أنّ الرئيس الشاب بشار الأسد يمتلك من الخبرات السياسية والحنكة والذكاء والدهاء والقدرة على المناورة وعقد التحالفات السياسية وإدارة المعارك السياسية والعسكرية واتخاذ القرارات الحاسمة والحازمة والمحسوبة والموزونة بميزان الذهب والماس، وهو ما لا يمتلكه كثير من الحكام العرب وفي مقدّمتهم من شاخوا على مقاعدهم وتهاوت وانهارت أركان حكمهم في أيام وأسابيع وشهور قليلة مع بداية المؤامرة على بلدانهم والتي قادها المشروع الأميركي الصهيوني الذي خطط لتقسيم وتفتيت المنطقة بالاعتماد على بعض الجماعات التكفيرية التي تعمل لديهم بالوكالة.
ومع اشتداد واحتدام الأزمة في سورية وتصاعد وتيرة الحرب الكونية عليها كانت أنظار العالم كله تتجه الى الرجل وينتظر الجميع سماع خبر رفع الراية البيضاء والتسليم والخروج الأمن مثلما فعل بن علي في تونس، أو إعلان التنحّي والرحيل مثلما فعل مبارك في مصر، أو تسليم السلطة لخلفه مثلما فعل صالح باليمن، أو انتظار قوات الناتو فتكون النهاية مثل القذافي في ليبيا، لكن الرئيس الشاب صاحب الإرادة الحديدية والصلابة الفولاذية قرّر أن يكتب تاريخاً مختلفاً فصمد في وجه المؤامرة صموداً أسطورياً وأمامه جيشه يخوض معارك ضارية وخلفه شعبه يدعمه ويشكل حائط صدّ للحفاظ على وحدة سورية، وكان يؤمن منذ اللحظة الأولى بأنه سينتصر رغم تعالي الأصوات النابحة المطالبة بالرحيل، ومرّت الأيام والأسابيع والشهور والسنين والأسد باق في عرينه بينما يسقط ويرحل تباعاً كلّ من شاركوا في المؤامرة على سورية وكلّ من طالبوا برحيله.
اليوم… ومع الانتصارات التي حققتها سورية على المستويين الميداني والسياسي، نستطيع أن نؤكد أنّ الرئيس بشار الأسد الذي دخل هذه الحرب الكونية باعتباره رئيساً عربياً مثل باقي الرؤساء قد خرج منها قائداً منتصراً وزعيماً للأمة العربية كلها، ليعيد لنا أمجاد الزعماء الكبار جمال عبد الناصر وحافظ الأسد، ولينعش الذاكرة العربية بأنّ المقاومة ولدت لتبقى وبأنّ ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة ، اللهم بلغت اللهم فاشهد.