قواعد الاشتباك الفلسطيني ـ الصهيوني… تتغيّر
د. جمال زهران
مؤخراً وخلال الأيام الماضية تفجّرت مواجهة جديدة بين المقاومة الفلسطينية بقيادة «الجهاد» وبين العدو الصهيوني، على قيام هذا العدو باغتيال أحد قيادات الجهاد في غزة بهاء أبو العطا ، وزوجته، ومحاولة اغتيال قائد آخر في دمشق هو أكرم العجوري، وفشلت الأخيرة واستشهد ضحية هذه المحاولة نجل القائد الفلسطيني واسمه حمزة، و8 مواطنين، وإصابة العشرات، كذلك الأولى في غزة راح ضحيتها أبو العطا وزوجته وآخرون وإصابة العشرات أيضاً ونجاة أطفاله.
وكان من نتاج ذلك إطلاق المقاومة لأكثر من 250 صاروخاً على المستوطنات الصهيونية، وعلى تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني، في تحدّ جديد من المقاومة للشبكة الدفاعيّة المعروفة بـ «القبضة الحديدية»، التي توفر لها الحماية المزعومة. واستطاعت صواريخ المقاومة الوصول لأهدافها وإيقاع الخسائر المادية، وإحداث خسائر في الأرواح وراح ضحيّة ذلك قتلى صهاينة لم يكشف العدو عن عددهم ، وحدوث حالة الفزع والرعب بين صفوف الصهاينة على المستوى الرسمي، ومستوى المواطنين العاديين.
وقد أدى ذلك إلى إعلان إغلاق المدارس ودور العلم، أياماً عدة رسمياً داخل تل أبيب، ولأول مرة منذ عام 1999، حيث كان صدام حسين يطلق صواريخ سكود من بغداد على تل أبيب وعددها 39 صاروخاً، هدمت منظومة الدفاع الصهيونية وحطمت نظريّة الحدود الآمنة للكيان الصهيوني الذي كان يسوّقها إقليمياً وعالمياً للحصول على الأمن للمستوطنين الصهاينة! الأمر الذي وصل بنتنياهو القائم بعمل رئيس الوزراء الصهيوني ، بطلب هدنة ووقف القتال مع المقاومة الفلسطينية الجهاد في غزة، عن طريق الطرف المصري.
وكان للكيان الصهيوني ما أراد عن طريق الوسيط المصري، ولكن بشروط المقاومة الفلسطينية وهي: وقف مسلسل الاغتيالات الصهيونية للقيادات الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة وخارجها، ووقف استخدام الرصاص الحي في مواجهة المسيرات الفلسطينية كلّ يوم جمعة على الحدود، ووقف الغارات الصهيونية المتكرّرة، وغير ذلك من شروط طلبتها المقاومة الفلسطينية وتمّت الاستجابة الفورية من جانب الكيان الصهيوني ورئيس حكومته المؤقت المتغطرس نتنياهو .
فالعدو الصهيوني لا يحتمل استمرار الهجوم الفلسطيني بالصواريخ لمدة أسبوع واحد متصل، ودائماً يتوقع ردّ فعل فلسطيني محدود عن كلّ عملية اغتيال حقيرة يقوم بها العدو الصهيوني لأحد قيادات المقاومة الفلسطينية من أيّ فصيل، إلا أنّ هذه المرة، المدة طالت، والمقاومة صمدت وهاجمت، وانتقلت من مرحلة الدفاع إلى الهجوم الذي أنتج استنجاد العدو بالوسيط المصري!
إذن فقواعد الاشتباك بين المقاومة الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني، قد شهدت تغييراً حقيقياً رغم المشاكل القائمة بين أطراف المقاومة الرئيسية.
فقد تغيّرت القواعد من مجرد ردّ الفعل إلى الهجوم، وهو أمر راجع إلى التطور النوعي في تسليح المقاومة، الذي استطاع أن يخترق ما يُسمّى بالقبضة الحديدية للعدو الصهيوني، التي أثبتت الوقائع الأخيرة فشلها في حماية «إسرائيل» من هجمات المقاومة.
كما أنّ القواعد قد تغيّرت من إملاءات العدو ومحاولات فرض شروطه، أو حتى الرفض للاستماع أو مجرد التفكير في طلبات المقاومة، إلى الاضطرار للاستنجاد بالوسيط المصري المعتاد، والقبول بشروط المقاومة لعقد اتفاق هدنة، وهو أمر جديد.
كما أنّ الفلسطينيين في غزة أصبحوا قادرين على تحمّل ضربات «إسرائيل» واستهدافاتها، مهما كان الثمن في الأرواح والمنشآت والبيوت، والممتلكات.
فعلى الرغم من سقوط 34 شهيداً، وأكثر من 100 جريح ومصاب، في صفوف الفلسطينيين، إلا أنهم أعلنوا: هل من مزيد يا صهاينة من أجل تحرير أرض فلسطين من المغتصب الاستعماري الصهيوني، من النهر إلى البحر، مهما كان الثمن؟
وقد لجأت «إسرائيل» إلى آلية الفتنة بين صفوف المقاومة، بزعم أنها نسّقت مع طرف، ضدّ طرف آخر، إلا أنّ الفلسطينيين كانوا متنبّهين الى ذلك.
وصحيح أنّ الجهاد ومقاتلين آخرين، كانوا الطرف الرئيسي في مواجهة العدو الصهيوني، إلا أن باقي الفصائل لم تدخر وسعاً في الدعم والمؤازرة في تنسيق وطني كبير، ولتحذر من إعمال آلية الفتنة من جانب عدو غادر.
وهنا فإننا ننبّه إلى حصاد هذه المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني، وهو تغيير قواعد الاشتباك بين الطرفين لصالح الطرف المقاوم الفلسطيني، كما أنّ ما يزيد من إحراز تقدّم على الأرض هو نقل العمليات المباشرة إلى داخل العمق الصهيوني وإعادة العمليات الاستشهادية داخل هذا الكيان الصهيوني المصطنع، حتى يضطر الصهاينة إلى الهجرة والرحيل ومعهم قادتهم العنصريون، فكما جاءوا لا بدّ أن يرحلوا. ومما يعجل من ذلك، التنسيق عالي المستوى بين كلّ أفرع المقاومة داخل الأراضي المحتلة وخارجها، والله الموفق.
أستاذ العلوم السياسية ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.