ظاهرة أنتجتها حالة الانهيار في المنطقة وتعاظم الاستقطاب الطائفيّ

بيروت – يرى عبد الباري عطوان في كتابه الصادر حديثاً «الدولة الإسلامية: الجذور… التوحش… المستقبل» أن تنظيم الدولة الإسلامية أقرب إلى الدولة فعلاً منه إلى تنظيم إرهابي فحسب. ويرى أن التنظيم تبنى أسلوب العنف الزائد أو «التوحش» عمداً لإرهاب أعدائه وسحقهم نفسياً. معتبراً أن الولايات المتحدة لم تؤسس الدولة الإسلامية، ولافتاً إلى أن ارتكاب المجازر والوحشية ليس حكرا على الإسلاميين بل هو سمة رهيبة عرفها التاريخ لدى المسيحيين والمسلمين وآخرين.

يبدي عطوان خوفه من أن تمتلك الدولة الإسلامية أسلحة كيماوية، فمن ضمن مفهومها بتبني «الوحشية» ستكون مسرورة باستعمال مثل هذه الأسلحة. ويعتقد أن الدولة الإسلامية لن تختفي قريبا وأنها ستعمل على التوسع وستخلف على الأرجح تنظيم «القاعدة» في العالم بعدما تفرعت عنه هي وتنظيم «النصرة» الإسلامي قبل أن يدب الخلاف بينهما. ويتحدث الكاتب الفلسطيني عن الشخصية المميزة التي يتمتع بها قائد الدولة الإسلامية أبوبكر البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة للمسلمين.

عبد الباري عطوان كاتب وصحافي عربي فلسطيني الأصل ومحلل سياسي معروف عربياً وعالمياً. أسس صحيفة «القدس العربي» في لندن وترأس تحريرها حتى فترة قريبة، وهو اليوم رئيس تحرير جريدة «رأي اليوم» العربية. وكتابه هذا في 239 صفحة قطعاً كبيراً وصدر لدى دار «الساقي» في بيروت، مقدمة وأحد عشر فصلا وفهرس للأعلام وآخر للأماكن. وعناوين فصول الكتاب تلقي نظرة عامة على محتوياته: «هيكلية الدولة ورجالها»، «أبو بكر البغدادي»، «الجذور العراقية»، «الدولة الإسلامية في سوريا: الخلفية»، «جوهر القوة: الوهابية.. السعودية.. أميركا والدولة الإسلامية»، «استراتيجية التوحش»، «المقاتلون الأجانب في الدولة الإسلامية»، «الدولة الإسلامية ضد «القاعدة» … الأخوة الأعداء»، «إعلام التوحش وأهدافه»، «الغرب والإسلام»، و«مستقبل الدولة الإسلامية».

يورد الكاتب قول وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون «الدولة الإسلامية ليست دولة وليست إسلامية» قائلاً إننا إذا «تأملنا جذور هذه الظاهرة وتطورها السريع نكتشف أنها أقرب إلى «الدولة» من كونها تنظيماً عابراً للحدود: «فهذه المرة الأولى ومنذ مئات السنين تقريبا يستطيع تنظيم السيطرة بالكامل على مساحة جغرافية في حجم دولة بريطانيا… وتحت حدود جديدة منذ معاهدة سايكس بيكو… وهي حدود قابلة للتمدد مثلما فعلت كل الدول التي توسعت». ويضيف «أن تنظيم الدولة الإسلامية لم يكن نسخة جديدة من تنظيم «القاعدة» وإنما يشكل نموذجاً مختلفاً من حيث الأيديولوجيا والنشأة والأولويات. فتنظيم «القاعدة» حصر أولوياته في محاربة الغرب والولايات المتحدة بالذات وإخراج قواتها من الجزيرة العربية… بينما أراد تنظيم «الدولة الإسلامية» استغلال حالة الانهيار الذي تعيشه المنطقة وضعف الحكومات المركزية وتعاظم التدخلات العسكرية الغربية… وتعاظم الاستقطاب الطائفي… لإقامة دولة وفق مقاساته الأيديولوجية».

ويردف قائلاً: «إن الولايات المتحدة «لم تؤسس تنظيم الدولة الإسلامية في اعتقادنا… لكنها خلقت الحاضنة لقيام التنظيم بسبب سياساتها التدميرية والعدائية للعرب والمسلمين من خلال اجتياحها العراق أولاً ومن خلال حلفائها في بغداد ودول خليجية وعربية عديدة. ربما لا نبالغ إذا قلنا إن الرؤساء العرب هم الذين بدوأ في التمهيد العملي والعقائدي واللوجستي للدولة الإسلامية سواء حصل ذلك بمحض المصادفة أو نتيجة خطة محكم».

تحت عنوان «جيل مختلف» يتحدث عطوان عن مقاتلي الدولة الإسلامية فيقول: «إنه صحيح أن نسبة كبيرة من مقاتلي هذه الدولة هم من الشباب الإسلامي المتحمس المتطلع للشهادة وإقامة «الدولة الإسلامية» النموذج في تطبيق الشريعة، ولكن الصحيح أيضاً أن عقولا إسلامية جبارة انضمت إلى صفوفها أيضاً تعلمت في جامعات غربية في مختلف المجالات العلمية والشرعية والاقتصادية والإعلامية والأدبية». وتحت عنوان «شخصية غريبة» يتناول شخصية البغدادي «وكيفية صعود نجم هذا الرجل الغامض الهاديء المبتعد عن الأضواء وقليل الكلام». والفصل الثالث عن «انشقاق النصرة عن الدولة» قائلاً إنه في عام 2011 أرسل البغدادي أمير الدولة الإسلامية في العراق آنذاك، وبالتشاور مع أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» الشيخ أبومحمد الجولاني إلى سورية لتأسيس جماعة جهادية هناك تقاتل لإسقاط النظام. وتعززت مكانة «جبهة النصرة» وأعلن البغدادي سنة 2012 ومن جانب واحد أن «الدولة الإسلامية» في العراق و«جبهة النصرة» قررتا الاندماج في تنظيم واحد تحت اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وما لبث الانقسام الأيديولوجي بين الجبهتين وبين البغدادي والظواهري أن بدأ يطفو على السطح. يضيف «استراتيجية «جبهة النصرة» كانت أقل تشدداً من نظيرتها في «الدولة الإسلامية» وتقوم وفق نظرية تقول إن الشريعة الإسلامية يمكن تطبيقها بشكل تدريجي… الدولة الإسلامية في العراق والشام أصبحت أكثر تشدداً من أبومصعب الزرقاوي زعيم «القاعدة» في بلاد الرافدين نفسه في طائفيتها غير المتسامحة البتة مع المذاهب الأخرى وتطبيقها المتشدد جداً للشريعة الإسلامية وأحكامها». والفصل السادس عنوانه «استراتيجية التوحش» ويقول المؤلف: «إن هذا التوحش ليس بالأمر الجديد فعلى مر العصور قامت جماعات من الرجال خلال أزمنة الحروب بممارسات تعتبر… ليس عملاً إجرامياً فحسب بل هي أيضاً مؤشر إلى جنون القائمين بها. والواقع أن معظم الأمم والإمبراطوريات قامت على بحور من الدماء وبنتيجة أعمال عنف رهيبة وأفعال شنيعة. العنف البالغ القسوة الذي تقوم به «الدولة الإسلامية» متعمد مقصود، بل هو معرّف عنه، بحسب ما جاء في دراسة «إدارة التوحش» عام 2004، وكاتب الدراسة أبوبكر ناجي أحد منظري تنظيم «القاعدة». وإدارة التوحش هي مرحلة تطورية في بناء الدولة والأمة كما أنها طبيعة إنسانية… زيادة توحش المجاهدين ستؤدي إلى ارتفاع سمعة المجاهد ومنزلته عبر موجات من العمليات التي ستملأ قلوبهم الأعداء بالخوف وهذا الخوف سيكون بلا نهاية». ويرى أن للقاعدة والدولة الإسلامية أهدافاً تبدو متطابقة ويمكن توقع وحدة استرتيجية بينهما في المستقبل «إذا ما وافق أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة» الحالي على تجرع سم أداء البيعة لأبوبكر البغدادي».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى