رئاسة الجمهورية في لبنان… أزمة مرشحين أم قوانين؟
علي البقاعي
فَتحتُ عينيّ على هذه الدنيا وأنا أسمع عن انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان كل ست سنوات.
أربع حروب إسرائيلية شُنّت، وعشرات الحروب الداخلية اندلعت، ومئات المصالحات الطائفية والمذهبية عقدت لم يبق إلاّ بريح ، وتيارات وأحزاب نشأت، وقوات غابت ثم عادت إلى الحياة، وأحزاب زالت وأخرى تكاثرت وأمم اندثرت وأنظمة انهارت وأوطان انقسمت أو قُسمت، وثورات كاذبة انكشفت فثار عليها ثوارها ولبنان لا يزال يفتش عن طريقة مثلى يتم فيها انتخاب لرئيس الجمهورية.
كل ست سنوات نصل إلى المهلة الدستورية فتبدأ الدعوة إلى احترام الدستور ويبدأ التساؤل والقلق والحيرة والتخويف من أزمة الفراغ الرئاسي والتخوف من الوضع المحلي والإقليمي والدولي وهل ستجرى الانتخابات؟ وعلى أي أساس؟ وأيها أفضل إنتخاب رئيس توافقي أو رئيس حزبي او إبقاء كرسي الرئاسة فارغاً إلى حين التوافق على رئيس أفضل؟
ما هي مواصفات الرئيس المطلوب؟ هل يكون الرئيس سياسياً أم عسكرياُ أم قانونياً أم اقتصادياً؟ وهل يمكن أن نجد رئيساً بمواصفات الجمهورية الفاضلة طالما ينبغي أن يكون مارونياً بالولادة، مدعوماً من طائفته، مرضياً عنه من باقي الطوائف الإسلامية والمسيحية، توافقياً في السياسة، وليس بالضرورة أن يكون ذا شخصية قوية ومخططاً إستراتيجياَ وملماً بالأمور الاقتصادية والعسكرية والسياسية والأدبية والفكرية والفلسفية والتاريخية. هل يجب أن يكون الرئيس المقبل مرضياً عنه أميركياً وروسياً وفاتيكانياً وعربياً وإيرانياًً، وأن يعرف كيف ينأى بالنفس عما يحصل حوله؟
على الرئيس أن يكون قادراً على اتخاذ القرارات ويستمع إلى نصائح الأحزاب والتيارات جميعها، وأن يختار رئيساً لمجلس وزراء طوائفي يترأس اجتماعاته ويخضع له دستورياً بعد أن ينصاع لمتطلبات معظم الأحزاب والتيارات والتكتلات وما يفرض عليه ويطلب منه إقليمياً ودولياً، وأن يجهد مع رئيس الوزراء المكلف في إيجاد وزير ملك يكون حكماً في التوازنات والقرارات التي تتخذها حكومته وإلاّ فالحكومة قد تطير عند أي قرار لا يرضي طرفاً من أطراف الائتلاف الحكومي.
بعد ست سنوات من اليوم سيجد اللبنانيون أنفسهم في الدويخة نفسها إلا إذا تداركوا الأمر قبل فوات الأوان وتعلموا من فشل الدولة خلال ستين سنة من صراع الطوائف والمذاهب وُقعت خلالها مئات الاتفاقات والاتفاقيات والتحالفات والمواثيق والقرارات والتعديلات والمعادلات غير العادلة في اقتسام الوطن، سواء في 1943 أو في 1958 أو في 1990 أو في 2008.
فهل يدرك أهل الحل والربط أن حلولهم كلّها ستكون فاشلة إن لم يبادروا إلى إجراء حوار وطني شامل حول لبنان المستقبل الذي يريدون، وأن يصار إلى إجراء تغيير جذري للدستور اللبناني كي لا يعدّل كل بضع سنوات.
آن الأوان لأن يقر اللبنانيون بأنهم في حاجة إلى دستور عصري وحكومة عصرية يكون فيها الشخص المناسب في المكان المناسب، وبأنهم في حاجة إلى من يمثلهم حقاً في مجالسهم النيابية والبلدية والوزارية وفي دوائر الدولة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والتعليمية والإدارية والقضائية. آن الأوان لأن يقول اللبنانيون الحقيقة ويقرّوا بأن وطنهم يموت بالطائفية والمذهبية ولا يحيا إلا بالإخاء القومي، وأن وطنهم في حاجة إلى ميثاق وطني جديد يكون فيه المواطن أولاً وليس الطائفة أو الحزب أو المحسوبية.
إذا كان لبنانيو اليوم حقاً أحفاد أولئك الذين نشروا الأبجدية في العالم وجعلوا من بيروت أم الشرائع وصنعوا السفن واكتشفوا الصباغ الأرجواني وأرسلوا أليسار إلى قرطاجة، فواجب عليهم، يجترحوا معجزة كونية جديدة وينتشلوا وطنهم من الضياع قبل فوات الأوان ويتفقوا على ميثاق وطني أو دستور أو يسمونه ما يشاؤون، فلبنان لا يستطيع الإنتظار ست سنوات أخرى.
لبنان في حاجة إلى قوانين جديدة في نواحي الحياة كافة، خاصة في الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية، بحيث يكون الشعب اللبناني هو الفيصل والحكم وصاحب القرار، وعندئذ يمكن لمن يفوز بأكثرية أصوات الشعب اللبناني أن يحكم لبنان بالطريقة التي يرتأي، وفق البرنامج الذي يعلنه هو وحزبه وحلفاؤه في برنامج إنتخابيّ يعلن قبل أشهر وسنوات وليس قبل ساعات أو أيام، وأحياناً من دون أن يعرفه حتى أقرب الناس إليه.
المشكلة في لبنان ليست في المرشحين ولا في الناخبين، بل في القانون المفروض على الجميع، فهل يدرك الجميع أنه حان وقت التغيير.