نظريّة جديدة في قراءة النصوص الأدبيّة «جغرافيّاً»
«التحليل الجغرافي للأدب» عنوان كتاب، ونظرية يضع الباحث والناقد محمد جهاد إسماعيل قواعدها وأساسيتها ويطلق عليها «نظرية التحليل الجغرافي للأدب» وتفتح بحسب تعبيره الباب على مصراعيه أمام الجغرافيا كي تشارك بقوة وفاعلية في عالم النظرية الأدبية، معتبراً أن نظريته كي تنصف الجغرافيا وتقدم نمطاً جديداً لقراءة الأدب.
يقسم الباحث كتابه الصادر لدى «دار ليليت» في الاسكندرية ثلاثة أبواب، كل منها تندرج تحته ثلاثة فصول يضع في أولها المفاهيم العامة للجغرافيا والأدب والنقد الأدبي والنظرية الأدبية، ثم إبستمولوجيا الأدب الأصل والأساس، ليتناول بعد ذلك علاقة الجغرافيا بالأدب والنقد الأدبي، وينتقل في الفصل الثاني إلى فرضيات نظريته واصفاً لها ولفرضياتها ومفرقاً بينها وبين عنصر المكان، أما الفصل الثالث فيسعى إلى تطبيق النظرية من خلال رواية «روبنسون كروزو».
في تعريفه لنظريته يرى الباحث أن «الجغرافيا هي التي تحدّد هويات البشر وجنسياتهم وهي التي تحدد الاتجاهات والمسافات للمسافرين وتحدد الأملاك والأطيان للمالكين. الجغرافيا متداخلة في حياتنا إلى أبعد الحدود»، موضحاً «جاءت نظرية التحليل الجغرافي للأدب كي تردم الهوة في الغياب الواضح للجغرافيا عن المشاركة الفاعلة في كل من النقد الأدبي والنظرية الأدبية». ويقول معرفا نظريته: «هي نظرية أدبية تختص بنقد وتحليل وتفسير الأدب من منظار ومنطق جغرافي بحت، وهي تستهدف في دراستها النصوص الأدبية التي تحتوي أحداثها على مبالغة واضحة في السرد الجغرافي والأماكن ووفرة في البيانات الجغرافية. من هذا التعريف نفهم أن نظرية التحليل الجغرافي تستهدف النصوص الأدبية التي تشارك مشاركات متقدمة، وليست مشاركات عادية أو بسيطة فحسب، وكما ذكرنا من قبل في مواضع عديدة إن المشاركات الجغرافية المتقدمة في الأعمال الأدبية، تظهر في نصوص تنتمي لأجناس أدبية محددة كأدب الرحلات والروبنسونات وغيرها». ويضيف أن النظرية «لا تهتم إلا بالنصوص التي تحتوي حوادثها على مبالغة جغرافية، وتلك المبالغة لا تظهر في النص إلاّ عندما تتخطى مشاركات الجغرافيا في بناء النص وتكوينه كونها مشاركات بسيطة وعادية، لتصل إلى الحد الذي يجعلها توصف عنده على أنها مشاركات متقدمة».
القيمة الجمالية للنظرية تكمن على ما يؤكد الباحث «في كونها تبحث عن الأماكن العديدة التي تتنقل في ما بينها حوادث النص الأدبي، وفي كونها تبحث عن التفاصيل الجغرافية التي تتوزع ما بين وصف الكاتب وسلوك الشخوص. بحث النظرية عن الأماكن المتعددة والتفاصيل الجغرافية، يضفي قيمة جمالية رائعة على عملية نقد النص الأدبي وتحليله، لذلك فالمراقب لنتائج النقد والتحليل التي تعطيها النظرية عند تطبيقها على أي نص، يدرك تماماً أن تعدد الأماكن ووفرة التفاصيل الجغرافية، هما من أبدع وأروع الجماليات التي تحويها نصوص الأدب. الجمال في هذه النصوص الأدبية يكمن في كون حوادثها لا تتقوقع في مكان واحد، بل تتوزع في حوادثها وتتنقل بين الأماكن والجمال في نظرية التحليل الجغرافي تكمن في كونها تدرس نصوص كهذه».
يرى الباحث أن الجغرافيا توجد في مختلف أشكال نصوص الأدب، أي أنها توجد في الأدب الحقيقي والأدب الخيالي على السواء، وبالتأكيد تدرس النظرية وجود الجغرافيا في كلا النوعين من الأدب. يقول: «وجود الجغرافيا في نصوص الأدب الحقيقي يزيد من حقيقية تلك وواقعيتها جميعاً، فالجغرافيا الموجودة في تلك النصوص هي الجغرافيا الحقيقية التي نعرفها جميعاً. أما الجغرافيا الموجودة في نصوص الأدب الخيالي فإنها تزيد تلك النصوص بعداً جمالياً ورمزياً فحسب، ولا تزيدها حقيقية وواقعية، لأن الجغرافيا في كثير من الأحيان تكون تصورية وغير حقيقية، ولعل أبرز مثال على ذلك هو الجغرافيا في رواية جوناثان سويفت المشهورة «رحلات غوليفر» وفي رواية تولكين المشهورة «سيد الخواتم» … ».
يؤكد الباحث على أن النظرية تدرس جميع أنواع النصوص الأدبية بلا استثناء، شرط أن يصل مدى مشاركة الجغرافيا في بناء تلك النصوص وتكوينها إلى درجة المبالغة الجغرافية، وهذا يعني أن على النظرية أن تشير إلى الجغرافيا التصورية أو التخيلية لدى وجودها، مع ضرورة التفريق بينها وبين الجغرافيا الحقيقية التي تعرفها جميعا من خلال كتب الجغرافيا وصفحات الأطلس. وتعتمد نظرية التحليل الجغرافي للأدب على الأطلس كتاب الخرائط كمرجع أساسي، في عملية نقد وتحليل النصوص الأدبية التي تستهدفها النظرية بالدراسة وتحليلها. ويفرق الباحث بين نظريته ومفهوم عنصر المكان، مؤكداً أن العلاقة بينهما علاقة الشيء بالشيء الأشمل منه، أو الشيء والشيء الأكبر منه، فمفهوم نظرية التحليل الجغرافي للأدب أكبر وأعم وأشمل، كون عنصر المكان لا يغطي ببحثه وتقصيه سوى جزئية بسيطة من البحث والتقصي الجغرافي تغطيها نظرية التحليل الجغرافي من خلال فرضية واحدة من فرضياتها الأربع أو حتى بأقل من ذلك. فمهمة تقصي المكان لا تهتم بالبحث عن المسميات الجغرافية مثلما تفعل النظرية، ولا تصنف العلامات الجغرافية لكون علاماتها أصلاً من جنس أو صنف واحد، ولا تفسر العلامات الجغرافية على النحو الذي تؤديه النظرية، ولا تلقي بالاً لأثر المؤلف لتحقيق فهم أفضل للعلامات الجغرافية ونقدها وتحليها.
يشير الباحث إلى أن اختياره رواية «روبنسون كروزو» لم يحصل عبثاً، إنما لأنها غنية بالعلامات والمعلومات الجغرافية، فجنبات الرواية تكتنز بالمحتوى الجغرافي. يقول: «رواية «روبنسون كروزو» مؤهلة بجدارة لتطبيق نظرية التحليل الجغرافي للأدب، لأن حوادثها تحقيق الوصول وبسهولة إلى درجة المبالغة الجغرافية، وهي الدرجة التي تصير عندها النصوص مؤهلة لتطبيق النظرية».