العلاقات الروسية ـ المصرية: استقواء متبادل في وجه ضغوط الغرب أم علاقات جديدة؟
حميدي العبدالله
الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مصر والسياق السياسي العام الذي جاءت فيه هذه الزيارة، طرح أسئلةً كثيرة حول طبيعة العلاقات بين البلدين، وما إذا كانت ستعود إلى سابق عهدها، أي أن تعود إلى ما كانت عليه إبان الحقبة السوفياتية، حيث شهدت العلاقات المصرية ـ الروسية ازدهاراً كبيراً وتعاوناً شمل جميع المجالات.
وسبب طرح الأسئلة هو أنّ مصر وروسيا تتعرّضان لضغوط من قبل الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، ويرى البعض أنّ التقارب المصري الروسي والزيارات المتبادلة، هي محاولة استقواء متبادل بين الحكومتين لتحسين شروطهما التفاوضية مع الولايات المتحدة ومع الحكومات الغربية، وبالتالي فإنّ أفق العلاقات المصرية – الروسية محكومٌ بهذه الحسابات، ولن تتطوّر العلاقات بين البلدين لترتقي إلى مستوىً مماثل لما كانت عليه في العهد السوفياتي، لأنّ التقارب الحالي موقت لتحسين شروط التفاوض والحصول على تنازلات من الحكومات الغربية.
لكن في المقابل من الواضح أنّ اصطدام السياسة الروسية والمصرية مع السياسات الغربية بقيادة الولايات المتحدة يعود بالدرجة الأولى إلى تعارض المصالح بين روسيا ومصر من جهة، والحكومات الغربية من جهة أخرى، فمصر وروسيا لا تريدان القطيعة مع الغرب وتتطلعان إلى إقامة أحسن العلاقات معه، ولكن ليس على قاعدة التبعية والامتثال للإملاءات الغربية، وهذا هو السبب الذي أدّى إلى التباعد بين مصر وروسيا والحكومات الغربية، ولو أنّ حكومات روسيا ومصر قبلت علاقات التبعية وامتثلت لإرادة الحكومات الغربية، لما حدث خلاف بينها وبين الغرب ولما كانت هناك حاجة لتعزيز العلاقات الروسية – المصرية للصمود في وجه الضغوط الغربية.
بهذا المعنى… إنّ قراءة أفق العلاقات المصرية الروسية يتوقف على ما إذا كانت الحكومات الغربية ستقبل التعامل ندياً مع موسكو والقاهرة، أو أن تتراجع موسكو أو القاهرة عن قرارهما المستقل. ولا يبدو في المدى المنظور حصول مثل هذا التطوّر، لا من قبل الحكومات الغربية، ولا من قبل الحكومتين المصرية أو الروسية، وهذا التقدير يشير إلى أنّ أساس التباعد مع الغرب، والتعاون بين روسيا ومصر وصولاً إلى علاقات تشبه العلاقات المصرية – السوفياتية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، هو الاحتمال الواقعي، على الأقلّ في المدى المنظور، إذ من المعروف أنّ العلاقات المصرية السوفياتية تطوّرت انطلاقاً من ظروف ومعطيات مماثلة للظروف القائمة الآن، أيّ أنّ إصرار الغرب على إبقاء علاقات التبعية مع مصر الناصرية، هو الذي دفع عبد الناصر إلى الابتعاد عن الغرب، وتعزيز العلاقات مع الاتحاد السوفياتي التي أوصلت العلاقات المصرية السوفياتية إلى ازدهار غير مسبوق، والأسباب ذاتها تحضر في خلفية المشهد السياسي المصري الروسي اليوم.