سفارة أميركية في دمشق؟
ناصر قنديل
– حملت حادثة خطف المواطنين السوريين الآشوريين في منطقة الحسكة إدانات واسعة عالمياً، بالتزامن مع قيام مجموعات «داعش» بتدمير الآثار التاريخية العريقة في منطقة الموصل، وبدا أنّ استهداف مسيحيّي المنطقة كما آثارها ذات المغزى التاريخي، وجهان لحقيقة واحدة، هي إلغاء ذاكرة تاريخية حضارية للإنسانية، تتمثل في تدمير المخزون الجمعي للذاكرة البشرية الذي تحتضنه منطقة بلاد الشام، تنفذه أيادٍ شحنت بالعصبية العنصرية المتوترة، لكنها ذات أهداف لا يعرفها أصحابها، لأنّ المطلوب مجموعات بشرية بلا ذاكرة وبلا تاريخ، لتستوي بلدان العالم أمام التاريخ، ويسقط هذا البعد كقيمة مضافة في موازين القوى بين الأمم، بعدما أظهرت أهمّيته المواجهات التي شهدتها منطقتنا خلال السنوات الماضية، فلا التاريخ يبقى ذاكرة تشكل مصدر قوة لشعوب مشبعة بتأثيره، ولا في الذاكرة للمنتمين للتاريخ العريق إلا اكتسابهم قدرة القتل والتدمير، فتصير العراقة عاراً وعبئاً على أصحابها، وبدلاً من أن تكون الدول المكوّنة اصطناعياً تحيا تحت تأثير عقدة النقص لفقدان الذاكرة والتاريخ كحال أميركا و«إسرائيل»، يصير كلّ تاريخ البشرية من عمر اللحظة الجديدة، وتصير العراقة ميزة أميركا و«إسرائيل» الحديثتي العهد، بين دويلات ولدت للتوّ بلا ذاكرة، فعندما يغتال المشترك من تاريخ شعوب المنطقة، يصير التاريخ الخاص للإمارات الطائفية الحديثة هو ما يصنع بالدماء اليوم، ويصير تاريخ الثقافة محصوراً بثقافة القتل والتدمير.
– الاستنكار الأميركي سياسي، وليس استراتيجياً، ومثله كلّ استنكار في الغرب الذي يهيّئ منصات استيعاب المهجرين المسيحيين باعتبار هذه الهجرة هي دواء ديمغرافي مدروس لمواجهة التوتر الديني للجاليات الإسلامية الوافدة من الشرق بتوتر دموي مصحوب بآلام التهجير وعذابات الموت لجاليات مسيحية مهاجرة، تتولى مجموعات «داعش» ترحيلها، فيقف مسيحيّو الشرق في وجه مسلميه لكن فوق تراب بلاد الغرب، ويرحل اليهود من الغرب إلى فلسطين للحلول مكان من يرحل من سكانها الأصليين، تحت سياط التمييز العنصري لأمّ الدواعش، الدولة اليهودية المدجّجة بالسلاح حتى أسنانها والمذعورة من زمن المقاومة حتى نخاعها الشوكي.
– الاستنكار الأميركي كان لافتاً بتميّز اختيار عنوانه، حيث جاء في الخبر، أنّ السفارة الأميركية في دمشق تدين، بعدما كانت وزراة الخارجية الأميركية قد أصدرت بياناً استنكرت فيه الاعتداء منعاً لتفسير البيان المنسوب إلى السفارة انتقاصاً من مستوى الاستنكار والإدانة، ليصير بيان السفارة الأميركية في دمشق له وظيفة أخرى، هي وظيفة سياسية خالصة، تتصل بما يتخطى الحدث وموضوعه، فمنذ أعوام لم تصدر بيانات رسمية باسم السفارة الأميركية في دمشق، فيشكل البيان الاستنكاري مناسبة للتذكير بوجود سفارة أميركية في دمشق تصدر البيانات.
– في زمن العودة الذي تتسابق إليه السفارات الغربية إلى دمشق، والمعلومات التي تحدثت عن قرار أميركي بتحضير السفارة في دمشق لفتح القسم القنصلي فيها في الربيع، يصير ذا مغزى صدور البيان السياسي الاستنكاري باسم سفارة، صارت اسماً منسياً، لتعود إلى الأضواء، تمهيداً لإنارة الأضواء في داخلها.