«داعش»: قتل الحاضر ودمّر المستقبل ولم تفلت من براثنه بقايا الماضي
رانيا مشوِّح
في استهداف ممنهج… تطاول الدولة التخريبية في الشام والعراق ـ «داعش» بأيديها الآثمة تاريخاً يعود إلى ما قبل الميلاد. آثار الموصل التي تعود إلى العام 1080 قبل الميلاد صارت اليوم بين مطرقة الإرهاب وسندان التخلف. فالحضارة التي حافظت عليها الموصل منذ ذلك الوقت، ومرّت عليها مئات العهود منذ الخلفاء الراشدين إلى الأمويين، والعباسيين، والحمدانيين، والعقيليين، والسلجوقيين، والأتابكة، والمغول، والتتار، والعثمانيين، والصفويين،، والانتداب البريطاني، والهاشميين، والجمهوريين والديمقراطيين الأميركيين خلال غزوهم للعراق.
صمدت تلك الحضارة وآثارها أمام كلّ ما مرّ بها وعليها، لكن اليد الداعشية الآثمة، وعلى مرأى العالم بأسره، لا تقتصر جرائمها وارتكاباتها على قتل الروح البشرية، بل تطاولت روح التاريخ، حيث تناقلت وسائل الإعلام فيلم فيديو يظهر عناصر «داعش» أثناء قيامهم بتدمير الآثار في متحف الموصل بالمطارق وأدوات الحفر، وضمّت الآثار المدمّرة تمثالاً لـ«بوذا» وآخر لثور آشوري مجنح يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد، كما دمّر التنظيم الإرهابيّ المتطرف عدداً من الأضرحة ومن بينها مواقع مقدسة إسلامية، إذ يعتبرها أماكن للكفر.
ومن الجدير ذكره أنّ التنظيم الإرهابي بات يقتات لتمويل حملته الدموية من بيع تلك الآثار، ولكن لمن؟ إذا عدنا قليلاً إلى الوراء قبل عدة شهور، وتقريباً في الشهر الثامن من العام 2014 حين أعلنت وزارة السياحة والآثار العراقية عن استيلاء تنظيم»داعش» على 1791 موقع أثري مهم في محافظة الموصل، وفيما كشف رئيس أسناد أم الربعين عن سرقة كنوز قصر سرجون الآكادي الذي كان مطموراً تحت مرقد النبي يونس وتهريب تلك الآثار والكنوز إلى خارج البلاد، وفيما قال حينها مدير عام المتاحف العراقية قيس رشيد: إنّ عدد المواقع الأثرية الموجودة في الموصل فقط تصل إلى 1791 موقع تستغلها «داعش» لدفع رواتب مرتزقتها وإرهابييها، وتدبيرأمورها اليومية، وذلك من خلال تهريب تلك الآثار والكنوز.
وأكد المدير العام وصول جزء كبير من تلك الآثار المهرّبة إلى «إسرائيل»، و بأعداد لا تحُصى لأنها آثار غير منقبة قام التنظيم بكشفها وتهريبها.
لعل هذا التصريح يزيل العجب، فالتنظيم الذي منذ بداية ظهوره لم يذكر اسم «إسرائيل» مرة واحدة، ولم يستهدفها كما استهدف العديد من دول العالم، لا سورية والعراق فقط، «داعش» حامل الراية الإسلامية ومشوّهها دمّر آثاراً إسلامية عريقة عدة وهرّب ما تبقى إلى الصهاينة، فهل يبقى بعد هذه الوقائع جدل حول انتمائية هذا التنظيم الإرهابي؟
لن نسأل عن الاتفاقيات العالمية لحماية الآثار كاتفاقية اليونيسكو واتفاقية لاهاي، لأنه إذا عُرف السبب بطل العجب!
وتجدر الإشارة إلى ما جاء في تقرير لصحيفة «اندبندنت» البريطانية بعنوان «تدمير الأصنام» لمراسل الصحيفة باتريك كوبيرن في دمشق الذي قال فيه: «إنّ التكفيريين بدأوا بتدمير كنوز سورية الآثرية مثل الفسيفساء البيزنطية والتماثيل اليونانية والرومانية التي تعود إلى القرن السادس في مدينة الرقة»، وأردف كوبيرن: «إن الأصوليين الإسلاميين دمّروا مقبرة رومانية في محافظة حلب ومنحوتات عدة، واستهدفوا بالرصاص الحيّ التماثيل الأثرية»، كما أكد «أنّ التراث السوري يتعرّض للسرقة والنهب والتهريب خارج البلاد، هذا التراث الذي صمد أمام الحروب حوالى خمسة آلاف سنة».
«داعش» دخل الشام والعراق لتدميرها وسلب حضارتها، وإعطاء هذه الحضارة وذلك التاريخ إلى من لا تاريخ لهم، إلى «إسرائيل» التي تقبع في الظلّ، والتي وضعت يدها بمساعدة التنظيم الإرهابي على أهمّ حضارات العالم، لكي لا تظلّ تقتات على فُتات التاريخ، بل لكي يسطو على تاريخ كامل وتجلبه إلى محرابها بفضل دولة التخريب والنهب التي خلقتها في المنطقة، بمساعدة حلفائها الأميركيين والأتراك ومَن معهم من أدوات عربية تطلق على نفسها تسمية دول!