تونس تواجه التكفير والإرهاب بالانفتاح الثقافيّ
ترى وزيرة الثقافة التونسية لطيفة الأخضر أن وضع سياسة ثقافية منفتحة على مبادئ الإنسانية يشكل درعاً لمجابهة ظواهر التشدد والتطرف التي تهدد المجتمع وقيم الحداثة والديمقراطية، قائلة: «برزت في الأعوام الأخيرة ظواهر الفكر التكفيري والحركات الجهادية المتطرفة. هذه التعبيرات تتخذ أشكالاً إرهابية تتناقض مع المبادئ الإنسانية وهنا دور الثقافة في توفير الحماية وتقوية المناعة ضد هذه الأفكار». فعقب إطاحة زين العابدين بن علي قبل نحو أربعة أعوام، منع متشددون إقامة عدة عروض فنية، وتعرض فنانون للاعتداء، ما أثار مخاوف في شأن حرية التعبير والإبداع في البلد الذي يعتبر من أبرز البلدان العلمانية في المنطقة.
وتؤكد الأخضر: «لا بد من إيجاد أطر تجمع عنصر الشباب الذي يعتبر رأسمال المستقبل وأهل الثقافة والفكر وجميع الأطراف المتداخلة لوضع سياسة ثقافية استراتيجية تحمي شبابنا وتلقحه ضد الأفكار الظلامية ولا تضر بمستقبله. يجب الاقتراب من الشبّان والاصغاء إليهم وايجاد أشكال مضبوطة من التعابير الجمالية لجذب اهتمامهم. يجب أن يكون الخطاب أفقياً لا عمودياً مسقطاً. لدينا الآن وثيقة الدستور التي تنظم رؤيتنا وتوحدها في ما يخص التوجه الثقافي في تونس». وينص دستور تونس الجديد الذي صادق عليه البرلمان الانتقالي عام 2014 على أن حرية الابداع مكفولة، وتشجع الدولة الإبداع الثقافي وتدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتجددها، ما يكرس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الحضارات.
تشدّد الأخضر التي كانت عضواً مؤسساً لـ»جمعية النساء الديمقراطيات»، المعارضة لنظام بن علي، ضرورة تشجيع المرأة المثقفة ودعمها، قائلة إنها «من أنصار التمييز الايجابي، فحضور المرأة التونسية في الحياة الثقافية قوي وفاعل لكونها مبدعة في مختلف الفنون من مسرح وأدب وسينما وشعر وفن تشكيلي. المرأة التونسية تتميز عن مثيلاتها في بقية بلدان العالم العربي، وهذه نتيجة طبيعية لسياسة التحرر التي بدأت منذ صدور مجلة «الأحوال الشخصية» عام 1956».
الأخضر هي أول امرأة تتولى فعليا حقيبة وزارة الثقافة والمحافظة على التراث بعد المخرجة السينمائية المعروفة مفيدة التلاتلي التي عيّنت غداة سقوط نظام بن علي ولم تتولّ منصبها عملياً، وهي عضو مؤسس لـ»الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات العلمانية».
تؤكد الوزيرة الأخضر على أن المغنية التونسية سنية مبارك ستبقى على رأس مهرجان قرطاج الدولي، أحد أعرق المهرجانات العربية، كذلك تحتفظ درة بوشوشة بمنصب مدير مهرجان قرطاح السينمائي. علماً أن تونس تنظم مهرجانات عربية وافريقية بارزة، بينها مهرجان قرطاج الدولي، ومهرجان الحمامات الدولي، ومهرجان الجم الدولي للموسيقى السيمفونية، وأيام قرطاج المسرحية، فضلاً عن معرض تونس الدولي للكتاب.
وتقول الأخضر: «سنسعى إلى تطوير المهرجانات الفنية بمنحها بعداً دولياً، على الأقل في مستوى عربي وشرقي وأفريقي والضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط»، كاشفة أن المهرجانات تعاني عجزاً مالياً كبيراً، لذا يجب إعادة هيكلتها بمأسستها لمنحها انطلاقة جديدة تقودها إلى استعادة إشعاعها العالمي ولعب دورها الثقافي والمساهمة في التنمية الاقتصادية عبر جذب السياح».
تستضيف تونس في آذار الجاري مهرجان أيام قرطاج الموسيقية ومعرض تونس الدولي للكتاب الذي احتجب العام الفائت، وهما النشاطين الثقافيين المهمين بعد تولي الأخضر حقيبة وزارة الثقافة، وستكون الكاتبة المصرية نوال السعداوي والشاعر السوري أدونيس من ضيوف المعرض هذا العام. وتؤكد الوزيرة على أن من أولوياتها الانتهاء من مشروع مدينة ثقافية بدأ تنفيذه قبل عدة أعوام ولم يكتمل حتى الآن، قائلة: «انطلق مشروع بناء مدينة الثقافة قبل عشرة أعوام تقريباً وواجه عدة عراقيل قبل أن يتوقف رغم تقدم بعض الأشغال فيه بنسبة 75 في المئة، لذا نحرص على إيجاد حلول لإكماله في أقرب وقت نظراً إلى أهميته للحياة الثقافية والمثقفين والمبدعين في البلاد». ويضم مشروع مدينة الثقافة الذي يمتد على مساحة تسعة هكتارات 190 ألف متر مربع وسط العاصمة التونسية ساحات متعددة أبرزها ساحة عمومية لاستقبال الجمهور وأماكن لعرض الأعمال الفنية والكتب ومقاهٍ ومطاعم، إضافة إلى مسرح للأوبرا يتسع لنحو 1800 شخص، وقاعة عروض مسرحية من 700 مقعد وقاعة عروض أخرى من 300 مقعد.
تشير الوزيرة أيضاً إلى ضرورة حماية التراث والمواقع الأثرية في تونس من عمليات السطو والنهب والسرقة وإعادة إحيائها كي تؤدي دورها في تعميق معرفة المواطن بهويته وتساهم في التنمية الاقتصادية، مضيفة: «تملك تونس رصيداً تراثياً كبيراً يقدر تقريبا بنحو 40 ألف موقع أثري. والمناطق الأفقر في البلاد تضم أكبر عدد من المواقع الأثرية، وهذه مفارقة كبرى يجب أن نجد حلاً لتلافيها عبر التعاون مع وزارة السياحة، بغية إدخالها ضمن الخريطة السياحية. ولا توجد اختلافات حول التوجهات الثقافية، لكن يجب إعادة صوغ التصورات ووضع استراتيجية شاملة من قبل وزارة الثقافة وأهل الثقافة وإعادة هيكلة المؤسسات، إضافة إلى البحث عن عائدات مالية أخرى، فموارد الدولة لا تكفي، خاصة أن 70 في المئة من موازنة الوزارة تصرف على الرواتب، بينما تخصص نحو 30 في المئة فحسب للنشاط الثقافي».