رسم خرائط المنطقة في طهران من بوابة الاتفاق النووي…

سعد الله الخليل

يشكل توصيف «ديفيد بلير» رئيس قسم المراسلين الأجانب في صحيفة «التليغراف» البريطانية الاتفاق النووي بين إيران وأميركا، بأنه سيغيّر ميزان القوة في الشرق الأوسط، خلاصة كافية لفهم ما يجري في الساحة الإقليمية من حراك سياسي علني صاخب تارة وخفي في كواليس عواصم القرار تارة أخرى، وهو ما يفسّر فتح السعودية وتركيا و«إسرائيل» نيران جهنم على الاتفاق، بمجرد ظهور بوادره في الوقت الذي سارعت الأردن إلى تبييض صفحة مواقفها، فطار وزير خارجيتها ناصر جودة إلى طهران، ليتحدث عن بطولات عميد آل البيت الأطهار الملك عبدالله الثاني في مواجهة الإرهاب وقراره المستقل، متناسياً سنوات وعقود من سير المملكة في طريق تنفيذ إملاءات الرياض وواشنطن، والمقامرة بحاضر ومستقبل الشعب الأردني في نوادي القمار الأميركية.

تدرك الرياض أنّ دورها بات محدوداً في خريطة ما بعد التفاهم النووي، وبات في حكم المؤكد انحسار نفوذها، ما يحتم عليها الانتقال في خطة اللعب الإقليمي من الهجوم إلى الدفاع، أمام ما تعتبره مدّاً إيرانياً في المنطقة، فتضطر إلى سحب مركز ثقلها من سورية والعراق، وربما مستقبلاً في لبنان إلى منطقتها الدفاعية خشية الهدف القاتل من الخاصرة اليمنية التي باتت مركز إيلام بعد أن كانت لعقود جبهة انطلاق إلى الأمام. قلق الرياض لا تخفيه تصريحات وزير خارجيتها سعود الفيصل، التي تشير المعلومات إلى أنه جديد المحالين إلى التقاعد في العائلة الحاكمة، عن الخيارات العسكرية في سورية، ولا أصوات سياطها التي تنهال على المدوّن رائف محمد بدوي الذي يواجه الحكم بالجلد ألف جلدة على مدار عشرين اسبوع، رغم صيحات الاستنكار العالمي لفصل جديد في سلسلة سادية التعامل السعودي مع الناشطين المدنيين المطالبين بأبسط الحقوق في مملكة يتصدّر ساستها المنابر للدفاع عن حقوق الشعوب في الحرية والكرامة.

في «تل أبيب» يتردّد صدى فشل العابثين في رسم خريطة ما بعد الاتفاق، وتظهر جلية عبثية جهود نتنياهو وخطابه اليائس في الكونغرس الأميركي على الأرض تظاهرات عبرية في شوارع القدس المحتلة.

تركيا التي أوهمت العرب أنها الفاعل الأساسي في المنطقة أدركت أنها مجرّد دولة إقليمية تقطف ثمار أخطاء غطرسة سياساتها والتي تتناغم مع تصريحات داوود أوغلو، تحاول اليوم صياغة سياساتها الخارجية بعيداً عن منطق الزعامة والحديث عن المنافع التي ستعود على تركيا من الاتفاق عبر تخفيف العقوبات المفروضة على إيران، والسياسية عبر التعاون الذي يحلم به أوغلو بحيث تصبح طهران وأنقرة «العمود الفقري للاستقرار الإقليمي» بحسب تصريحات أوغلو الأخيرة في طهران، دون أن يقدم أوغلو أي إيحاءات بأنّ الحرب بالوكالة التي تخوضها بلاده داخل سورية قد وصلت إلى نهايتها، وهو الحدّ الأدنى الذي يرضي إيران، وما تمثله من محور للإقتناع بالتوبة التركية والانخراط بدور فاعل في الساحة الإقليمية.

رياح الاتفاق الأميركي وصلت إلى بيروت بالحديث عن قرب انفراج الملف الرئاسي، فما كشفته المصادر الديبلوماسية في باريس يشير إلى رسالة أميركية حملها وزير الخارجية جون كيري إلى مطران بيروت للموارنة بولس مطر، مفادها تفاؤل واشنطن بإمكانية انتخاب رئيس للبنان خلال الشهرين المقبلين، بعد إبرام الاتفاق النووي مع إيران وإصرار الرئيس الأميركي باراك أوباما على إنجاح الاتفاق النووي كمصلحة أميركية شرق أوسطية.

ولعلّ ظهور العميد قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري في العمليات العسكرية ضدّ «داعش»، أوصل رسالة التقدّم الإيراني والتوسّع على الأرض من دون انتظار نتائج الاتفاق النووي مع القوى الغربية، في مرحلة حصاد نتائج الصمود في وجه حرب أرادت دول أن تكون فيها أدوات تقطف ثمارها خيبة وإذلالاً.

خريطة الشرق الأوسط السياسية تتشكل وفق الرؤية الإيرانية ودول الحرب تسعى إلى مقاعد في الصفوف المتقدمة، لتستمتع بالتصفيق بحرارة وتكتم غيظها ولسان حالها يقول اليد التي لا تستطيع ليّها قبّلها وإدع عليها بالكسر.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى