صانعة النصر…

شهناز صبحي فاكوش

عبر الزمان كانت المرأة الأكثر أهميةً في مجتمعها، وكانت مكوّناً هاماً في صناعة انتصارات وطنها، يسجل لها التاريخ باعاً في مناهضة الأوضاع الاجتماعية التي حاولت تقزيم دورها، وإبعادها عن الساحة الوطنية في مختلف المجالات.

المرأة في مختلف أرجاء العالم عانت كثيراً، فنراها تثور ضدّ الحياة المنزلية التي تستهلكها في الاتحاد السوفياتي، عبر ملصق أعلنت فيه في الثامن من آذار أنها ضدّ عبودية المطبخ. وأنها تطالب دولتها باتخاذ دور هامّ لتتحرّر من كونها مواطنة من الدرجة الثانية.

يوم الثامن من آذار الذي خصّص عيداً عالمياً للمرأة، لم تعترف به الولايات المتحدة الأميركية، إلا إثر بعض الإضرابات النسوية دفاعاً عن الحقوق المفقودة. الدولة التي تدّعي أنها بلد الحرية والديمقراطية والمساواة، هي في الواقع الأكثر عنصرية.

أعلن عيد المرأة العالمي رسمياً إثر انعقاد أول مؤتمر للاتحاد الديمقراطي العالمي في باريس عام 1945، حتى أصبح تقليداً عالمياً، علماً أنه أعلن سابقاً عام 1910، إلا أنّ كثيراً من الدول لم تهتمّ، لأنّ حقوق المرأة فيها مصادرة.

المرأة التي أعزّها الإسلام وأكرمها، وجعلها سيدة في كلّ المواقع، فكانت مع المقاتلين في الميدان، وشريكاً في القرار السياسي، عالمة ومتعلّمة، حتى وضع الجنة تحت أقدام الأمهات، وقال عنها الرسول الكريم: ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم.

اليوم يأتي الإرهاب ليمارس عليها العنف والحيف بكلّ أشكاله، ليعيدها إلى الجاهلية وما قبلها، إنْ في سورية أو في الوطن العربي وحتى في العالم، فأصبحت سلعة تباع وتشرى في أسواق النخاسة في الموصل بحجة أنها من غير دين الإسلام.

اعتبرها الإرهاب من غنائم الحرب فجعلها أَمَةً ضمن ما دعوه «ما ملكت أيمانكم»، في تفسير خاطئ لما ورد في ديننا الحنيف، والتصاقاً بتفسير أبجدية الحروف، للوصول إلى إرضاء شهوات غريزية حيوانية، تعفّ عنها النفس البشرية الكريمة.

حالة من موروث عثماني ضحل، لم نره إلا في قصور سلاطينهم، لم يكن في صدر الإسلام، ولم يتعاطاه لا الرسول ولا خلفاؤه وصحبه. صنعوا منها اليوم مقاتلة إرهابية، وسلعة رخيصة يتداولونها في ما بينهم، عندما استهلكت بما يدعى «جهاد النكاح»، حيث لا يقرّ بذلك لا شرع ولا شرعة.

أما النساء في مختلف أنحاء العالم فقد استهوى الإرهاب البعض منهنّ، نتيجة غياب الأسرة ومقوّماتها، في الآداب والسلوك الأخلاقي المفقودين. فوجدن في نزوعهنّ إلى الجماعات الإرهابية حلاً، حيث يمارسن كلّ الموبقات والآثام، التي يروّج لها على أنها حقّ مشروع لديهم.

أما المرأة السورية، هذه الأبية أبداً، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، إنها تكتب بدم أبنائها أسمى آيات النصر، قرابين للوطن ليظلّ سيّد نفسه، حراً مستقلاً، مكمّلة مسيرة ابنها الشهيد، مؤدّية رسالتها في تربية أبنائه، على نهج البطولة والشهادة.

كما تسطّر المرأة اليوم في بعض أقطار الوطن الكبير، الذي اجتاحته رياح الزمهرير، أروع الصور في مناهضة المؤامرة العاصفة، مدافعة عن حقها ووجودها وإنسانيتها، وخير مثال المرأة التونسية، التي ملأت الشوارع انتصاراً لذاتها ولسورية حيث أدركت بوعيها جلل ما يحصل، في حين أشهر الكثيرون العداء لها.

المرأة السورية التي تواجه اليوم أعداء بلدها بصمودها، وقوتها وصبرها وعزيمتها متكئة على جراحها، شامخة بما تقدّمه للوطن، هي شريكة حقيقية في صناعة النصر الذي نعمل جميعاً لتحقيقه، فهي في صفوف الجيش العربي السوري، وفي كلّ ميادين الوطن. الذي أعلن أنه مقبرة الإرهابيين، وكثيرهم يفرّون من هذه الحقيقة.

المرأة السورية أثبتت اليوم أنها الأقدر والأجدر في صناعة نصر الوطن، لأنها الأوْلى ببناء الإنسان المقدام، الذي يدافع اليوم عن حرية واستقلال بلاده. وستظلّ على نهج بناء إنسان ما بعد الحرب، القادر على إعمار وطنه، وستكون قدرة وقوة فاعلة كعهدها دائماً.

تحية لأمّ الشهيد في وطن الشهداء، تحية لزوجة الشهيد التي ستكمل مسيرته، تحية للمرأة السورية، التي استحقت بجدارة كونها قاضياً وضابطاً في الجيش، أستاذة ومعلمة، وقائداً سياسياً وإدارياً، إضافة إلى دخولها سوق العمل في مختلف المجالات.

المرأة السورية السباقة في كلّ شيء والأولى في كلّ شيء، نالت منصب نائب رئيس الجمهورية فكانت الأولى بين الدول العربية.

هنيئاً لسورية بنسائها صانعات نصرها على جميع الصعد، ومؤسسات النصر في وطننا الأعز.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى