مقاومة إيران نهضة للعرب
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
هل نحن أمام دورة تاريخية جديدة، يكون فيها لشعوبنا العربية حرية الحياة وكرامة الوجود، أم أنّ ما يجري سيُبقي العرب محنّطين لقرون قادمة؟ هل يحقق العرب أحلامهم بواقع جديد أم أنهم يعيشيون ما تبقى لهم من حياة بعدما خرّب الاحتلال الغربي عقولهم ودمّر التكفيريون حضارتهم. وأمام الأوضاع الداخلية الصعبة والمعقدة والضغوط الخارجية التي تنهش أرضاً كانت تسمى دولاً وأوطاناً هل تتوافر قاعدة للانطلاق إلى مرحلة تتيح لكلّ الإمكانات والطاقات العربية أن تتفجر؟ لا شك أنّ الدورة التي تُخرج العرب من عهود النكسات والنكبات والتخلف والجهل مشروطة بعوامل سياسية واقتصادية وخصائص نفسية وأخلاقية. تفسير الأحداث الراهنة في المنطقة ليس بالضرورة أن تقودنا إلى اليأس بل أرى أنها مرحلة تنظيف وتعزيل كلّ الأوساخ والرواسب التي تراكمت على مرّ السنين وأدّت إلى كلّ هذه القضايا الخاسرة! لا احتلال يبقى إلى الأبد، ولا ظلم بلا نهاية. أمام لوحة التاريخ تنتصب إمبراطوريات عظمى سادت ثم بادت. لم يعد لها من أثر على رغم اعتقاد من كانوا سادتها وكبراءَها أنها ستدوم إلى نهاية التاريخ.
هكذا اعتقد أيضاً منظرو الإمبراطورية الأميركية، ورؤساؤها الذين تعاقبوا على قيادتها. لكن الحقيقة هو ما نراه بأم العين من فشل مريع وتراجع وفير. والاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية حصل أم لم يحصل، لا يعكس إلا عجزها عن الاستمرار والتقدم في الحياة. لم تعد أميركا تجيد فنون السيطرة على عالم يتغيّر بسرعة كبيرة، ولا زيادة جهدها لاحتواء دول تنهض بالاعتماد على ذاتها كالصين وروسيا والهند. وهي تتجمّد في منطقتنا بلا قدرة على المبادرة لفرض شروطها، ولا سطوة تمُكّنها من حماية ربيبتها «إسرائيل» التي تعاني مصيراً أسود هذه الأيام.
إذاً، نحن أمام واقع جديد ومستقبل جديد لشعوب منطقتنا. شعوبنا خرجت من الأميّة، وخرجت من الفقر، وستخرج من الاحتلال. نحن أمام آخر عهود الاستعمار بفضل الإيمان وبفعل المقاومة. والمطلوب من أمتنا أن ترفع من مستوى الحركة والنشاط وتنظم نفسها تنظيماً علمياً، فأميركا مصابة بأعراض الانهيار العام، وخروجها من المنطقة يشير إلى نقطة الانكسار، وتقدم حركة الشعوب في البحرين واليمن والعراق، وتصدر المقاومة في فلسطين ولبنان طليعة التاريخ الحديث هي النهاية لإمبراطورية زعمت أنها ستبقى إلى الأبد.
المجتمع العربي والإسلامي يتطوّر. لم يفقد إيمانه على رغم كلّ المظاهر السلبية التي نشاهدها من خلال ممارسات الجماعات التكفيرية. الأمة تتحوّل إلى طاقة إنسانية هدّارة وعندما اهتدت إلى فكرة المقاومة تحوّل سعيها إلى نيل الحرية الكاملة والبحث عن شروط النهوض.
الاتفاق النووي يتمثل أمامنا كأنه اتفاق سياسي بين إيران والقوى العظمى، ولكن الحقيقة أنّ توقيعه سيجعلنا أمام عالم آخر لا سيادة فيه إلا للحق. تأتي أهمية هذه النظرة من كونها تتيح لنا الوقوف على مراحل التقهقر والانحطاط ولكنها من جانب آخر تتيح لنا أن نعبر إلى المستقبل. صحيح أنّ جزءاً أساسياً من عملية العبور تكمن في فكر الثورة الإيرانية وقوتها. وهذا هو أساس ما بدأه الإمام الخميني عندما أراد تحريك الجماهير وإعطاءها الثقة بأنها قادرة على التغيير والنهوض وصنع التاريخ الجديد. وهو الذي رفع شعارات تدعو المستضعفين للوحدة ومقارعة المستكبرين أينما كانوا. نعم إذا كان من دورة حضارية جديدة تعطي العرب الأمل والحياة والتقدم فلن نخجل أن نقول إنّ هذا الأمر يتحقق بفعل الرؤية الواضحة والفكرة الصحيحة والمقاومة الصلبة للشعب الإيراني الذي تجسدت فيه فضائل الإسلام الفطرية العظيمة!