أطفال سورية الكبار… الحرب في عيون الآمنين

فاديا مطر

من الجنوب وتحديداً من بصرى الشام راهنوا كثيراً وشدوا الوثاق واستخدموا براءة الطفولة بخبث التكتيكات وحاكوا المؤامرات وراهنوا على إسقاط الدولة السورية… وقود الحرب الرخيص لديهم غالي علينا. فأصحاب القلوب الطاهرة البيضاء شُوّهت بسواد قلوبهم وراياتهم.

زجّوا أطفال الياسمين في صُلب ساحات القتال عن طريق تسليحهم وزرع الأفكار في رؤوسهم عن الحرب والسلاح.

عشرات الآلاف من المدنيين فقدوا حياتهم والملايين فروا من وطنهم وأرضهم وتعرضت المنازل والمدارس والمستشفيات للهجوم المباشر… مجتمعات بكاملها أضحت خارج المساعدات الإنسانية، من ماء وطعام وانتشر العنف عبر الحدود مثل عدوى مُجتاحة.

رعب عيون الأطفال لم يعد خافياً فبيوتهم دُمّرت وفقدوا أحباءهم وأصدقاءهم، وتعليمهم توقف وسُرقت منهم طفولتهم. فيما تُعد هذه أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة، تقدّر اليونيسف أن حوالى 14 مليون طفل، تأثروا بهذه الأحداث في سورية ودول الجوار. نسبة للأطفال الأصغر سناً، فكل ما يعرفونه عن هذا العالم، هو هذه التجربة المضرجة بألوان العنف والحرمان.

وفي 22 حزيران 2014 حضت منظمة «هيومن رايس ووتش» المعارضة السورية على وقف تجنيد أطفال في المعارك وحذرت الدول التي تمول هذه المجموعات من أنها قد تتعرض للملاحقة بتهمة ارتكاب «جرائم حرب». وأوضحت المنظمة أن «المجموعات المتطرفة كتنظيم «داعش» جندت أطفالاً من خلال مزج التعليم والتدريب على استعمال الأسلحة والطلب منهم القيام بمهمات خطيرة من بينها عمليات انتحارية». وأوضحت اليونيسف في بيان أن تنظيم «الدولة» استغل الطفولة بأشكالها كافة، عن طريق بثه صور أطفال صغار دون سن الثامنة وهم مسلحون ويعصبون رؤوسهم بشعارات التنظيم، فيما يقوم قادة في التنظيم بتدريبهم على القيام بالأعمال العسكرية. أما من تجاوز منهم سن الرابعة عشرة فيتم تجهيزهم للقيام بعمليات انتحارية أو يوضعون على الخطوط الأمامية للجبهات. وفي درعا قامت العصابات المسلحة بخطف الأطفال من عائلاتهم لاستخدامهم كدروع بشرية.

كل ذلك والكذب والافتراء على روايات أشاعها كثير من المواقع والشاشات على أن أطفال درعا في أواسط آذار قاموا بالتظاهرات المعارضة للحكومة السورية وبدأت قنوات التضليل ببث أسطورة أطفال درعا وببث الأكاذيب باحتجاز وتعذيب الأطفال من قبل الحكومة السورية، وعلى أساسها خرج الأهالي بتظاهرات تطالب بالإفراج عن الأطفال اللذين رسموا عبارات على الجدران مطالبين بالحرية. روايات وأحاديث كثيرة ولم يستند أي منها إلى أدلة أو وجود لأهالي الأطفال اللذين ادعوا اعتقال أطفالهم، الروايات لم تحدد لا تاريخ الاعتقال ولا تاريخ الإفراج عنهم ولم تذكر أسماء لهم ولاوثائق تؤكد الادعاءات.

مفردات جديدة عرفت طريقها إلى عقول أطفال سورية

هي مفردات الحرب بكل قسوتها. فلم تعد تستغرب أن يعرف طفل نوع الرصاصة الفارغة، ولم نستطع إغماض أعين أطفالنا، فمواقع الإنترنت لم توفر يوماً نشر تلك الصور، بكل ما تحمله من اللاإنسانية. ولم يغب الدور السلبي للشاشة الصغيرة عن ذلك. إنهم أطفال سورية اليوم، كبروا قبل أوانهم، يختزنون مشاهد العنف والموت، ويحلمون بمستقبل تغيب فيه تلك المشاهد لمصلحة أمنيات طفولية يرغبون في تحقيقها.

ما هي الخيارات التي يمكن لمثل هؤلاء الأطفال أن يختاروها؟

وماهي الإمكانات التي يملكونها؟ هل لا يزالون يؤمنون بمستقبل أفضل؟

الأسوأ من ذلك هل سيعاودون العنف على أنفسهم بعد أن صار الأمر اعتيادياً للمشاهدة؟

لا يزال هناك متسع من الوقت، ولا يزال هناك أمل، على رغم الأذى الذي لحق بهم، والأخطاء التي تحملوها وعلى رغم عدم قدرة البالغين الواضحة على إنهاء هذا الصراع المخيف، فإن هؤلاء الأطفال لا يزالون يتحلون بالشجاعة والتصميم على بناء جيل أفضل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى