التصريحات الأميركية… اعتراف بالهزيمة أم تلاعب على الوقت؟

جمال العفلق

«لا أحد منا، وأعني بذلك روسيا والولايات المتحدة ودول التحالف ودولاً إقليمية، يريد انهيار الحكومة والمؤسسات السياسية في دمشق»، جاء هذا التصريح على لسان أحد أهمّ المسؤولين الأميركيين، وهو جون برينان مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، ليتبعه بعد ذلك وزير الخارجية الأميركي جون كيري بتصريح أكثر وضوحاً اعتبر فيه ضرورة التحدّث مع الرئيس الأسد من أجل الحلّ في سورية.

وبالرغم من محاولات حلفاء الولايات المتحدة التخفيف من التصريح وإعطاء تحليل وترجمة له لتفريغه من مضمونه، إلا أنّ الجميع بقي في الإطار نفسه، فالكلام واضح ولا يحتاج إلى تحليل، أميركا تبحث عن مصالحها ولا يعنيها الحلفاء، وهي تعرف كيف تعطيهم جوائز ترضية اذا لزم الأمر… وبهذا تكون الولايات المتحدة قد سجلت تراجعاً أمام حلف المقاومة، أو بمعنى أخر قبلت بما فرضه الواقع العسكري الممتدّ من الحدود السورية التركية الى تكريت في العراق.

فالمعركة الديبلوماسية اليوم تُرسم خطوطها العريضة من خلال التقدّم الميداني على الأرض، واليوم الأرض يملكها حلف المقاومة ويحقق الانتصارات، وهو غير معنيّ بما يحدث في الأروقة السياسية وفي الغرف المغلقة.

ولكن تبقى التجربة مع الولايات المتحدة الأميركية مريرة… فأميركا لا تعترف بالحلفاء ولديها ترتيب خاص للحلفاء، فأمن «إسرائيل» هو خط أحمر لا يمكن لأيّ إدارة أميركية أن تتجاوزه… ومن ثمّ يأتي دور الأتراك في المنطقة، ومن بعدهم العرب، وحتى العرب ليسوا على درجة واحده لدى أميركا. ومن هنا لا بدّ من انتظار أفعال أميركا وليس أقوالها، لأنّ كلّ ما تصرح به لا يأتي إلا في إطار تبييض الوجه ومحاولة تطهير وغسل اليدين من سيل الدم الذي نزف في المنطقة.

فعلى الرغم من الهزائم المتلاحقة لقطعان المرتزقة وانهيار حصونهم وانكشاف كلّ معاني المؤامرة، ما زالت الولايات المتحدة تدعم الإرهاب وتغذيه عبر قنواتها العربية التي تنفذ تعليمات دوائر «سي أي آي» حرفياً، وما تقوم به الولايات المتحدة اليوم من محاولات لتشكيل محور جديد يضمّ مصر والسعودية وتركيا وفق مصالحها هي، فالدعم الخليجي لمصر يأتي في وقت تقترب المفاوضات الإيرانية الأميركية على الملف النووي من تجاوز حاجزها الأخير… وما تريده أميركا اليوم تشكيل حلف عسكري سيأتي في إطار عربي أطلق علية اسم «الأمن القومي العربي»، وهدف هذا الحلف الذي سيضمّ تركيا لاحقاً لمحاربة إيران سياسياً، وكذلك مذهبياً لما يُقال إنه «مدّ شيعي».

فالإدارة الأميركية تعيش اليوم أسوأ حالات التخبّط في التعامل مع الملفات الدولية، من مخطط الانقلاب الفاشل في فنزويلا الذي كانت تديره… وثبات إيران في مفاوضاتها على ملفها النووي السلمي، وتمسك السوريين والعراقيين بوحدة أراضيهم وتحريرها من الإرهاب، وعدم تمكن الولايات المتحدة من تغيير موقف موسكو في القضية الأوكرانية، وخطاب نتنياهو في الكونغرس الأميركي الذي كان هدفه إحراج أوباما، كلّ هذا دفع بالبيت الأبيض إلى التلويح بورقة الاستدارة نحو دمشق.

طبعا لا ننسى هنا أنّ اقتناع الولايات المتحدة بأن مَن جمعهم حمد بن خليفة وبندر بن سلطان من معارضة سورية كانوا جميعاً أقلّ من المستوى المطلوب، قد قال عنهم أوباما أنهم «فانتازيا»، بعدما ثبت للولايات المتحدة أنها لن تتمكّن من المراهنة على كلّ من يتلقى الأموال من الخليجيين في تغيير قواعد اللعبة على الأرض.

فالمعركة المقبلة ستكون بين الولايات المتحدة ومن يعمل لديها في القضية السورية، وعليهم قبل انتهاء المفاوضات مع إيران أن يحققوا شيئاً ما على الأرض، والا فإنّ أميركا ستتخلى عنهم وتطلب من دمشق فتح أبوابها للقنوات الديبلوماسية، لأنّ إدارة أوباما لم تعد قادرة على تحمّل خسائر جديدة، وخصوصاً أنّ حليفها الأول في المنطقة «إسرائيل» لا تزال في مدارها الانتخابي، والمزاد مفتوح على توسيع الاستيطان في القدس، وهو ما يخالف تعهّدات أميركا بوقف التوسع الاستيطاني، للسير بما يُسمّى «حلّ الدولتين» الذي انقضى عليه أكثر من عقدين منذ اتفاق أوسلو.

ولهذا علينا أن نحذر من تلك التصريحات، فهي قد تكون فخاً جديداً تريد أميركا من خلاله الضغط على حلفائها لتحسين أدائهم في الحرب على سورية والمقاومة. وإذا كانت تلك التصريحات جادّة فإننا سنجد انعكاسها على مؤتمر القمة العربية الذي سيُعقد في أواخر هذا الشهر في شرم الشيخ، فحلفاء أميركا سيتحدثون بالعربية حول القضية السورية وسبل حلها، وغير ذلك تبقى هذه التصريحات هي للاستهلاك السياسي فقط.

أما بالنسبة لنا على أرض الواقع فنعلم تماماً أنّ أميركا خسرت حربها وخسرت رهانها، وهي بدأت تعترف بذلك علناً، وقد لا يكون بعيداً اليوم الذي ستحطّ فيه أول طائرة أميركية في مطار دمشق حاملة وفداً لا يقلّ أهمية عن الوفد البرلماني الفرنسي الذي قبل أقلّ من شهر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى