سليمان اكتشف متأخّراً قلة حيلة باريس ومحدودية دور الرياض
يوسف المصري ـ «البناء»
يحزم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان حقائبه تأهّباً لمغادرة قصر بعبدا مع حلول يوم 25 أيار موعد انتهاء ولايته الدستورية. وكان سليمان ظلّ حتى اللحظات القليلة الماضية يراهن على إمكانية التمديد له. وكانت سادت الدائرة الضيقة المحيطة به خلال الأشهر الأخيرة، مقولة تبرّر حظوظه، ومفادها أنها تأتي من كونه المرشح البديل لـ«فخامة الفراغ» الذي تشي كلّ المعطيات أن الاستحقاق الرئاسي ذاهب إليه. وما شجع سليمان على الثقة بهذه المقولة هي أنها وجدت لفترة غير قصيرة دعماً كبيراً من باريس، وبخاصة من فرنسوا هولاند الذي دعا سفيره في بيروت إلى خيار التمديد إذا كان بديل ذلك هو الفراغ.
ولكن كلّ هذه الأجواء الآنفة تبدّدت الآن، ليسود مكانها في الأسابيع القليلة الماضية إحباط واضح على الرئيس وعلى مجمل الحلقة الضيّقة المحيطة به. وسبب ذلك بحسب مصدر مقرّب من قصر بعبدا، هو تيقّن جماعة القصر بأنّ كلّ إمكانات التمديد قد انهارت.
وعلى رغم أنّ زوار باريس ظلّوا حتى قبل فترة قصيرة يسمعون همساً مصدره الاليزيه يفيد بأنّ سيده لا يزال يرى في خيار التمديد لسليمان أمراً ممكناً، إلا أنهم ما عادوا يولون هذه الإشارات الكثير من الاهتمام، وسبب ذلك هو أنهم توصلوا بعد التجربة إلى فكرة أساسية تفيد بـ»قلة حيلة باريس الدولية». ويكشف مصدر مطلّ على قصر بعبدا أنّ الرئيس سليمان يشعر في هذه اللحظات بإحباط تجاه مجمل التكتيكات التي رسمها لبقائه في قصر بعبدا لولاية ثانية أو حتى لنصف ولاية. فالرئيس بات متأكداً الآن أنه أخطأ عندما نام في الأشهر الأخيرة على وسادة هولاند ظناً منه أنّ باريس قادرة على تنسيق صفقة التمديد له بين السعودية وإيران.
وكان سليمان في آخر زيارة له إلى باريس طرح أمام هولاند مطلبين اثنين، أولهما التمديد له لولاية ثانية إذا كان ذلك ممكناً، وإلا فلتدعم باريس ترشيحه لرئاسة الفرنكوفونية. لم يتحمّس هولاند للاقتراح الثاني لأنّ باريس في هذه المرحلة معنية بالإتيان بشخصية من الكيبك أو من أفريقيا لهذا المنصب، كون لديها أجندة استثمار سياسي في تلك المناطق من العالم.
وتفضي عملية التقويم الجارية اليوم في بعبدا لتجربة سليمان الباريسية، إلى استخلاص أن نتيجتها في كلّ مراحلها كانت صفراً. وتبرز داخل هذه المراجعة النقاط التالية:
بين هِلْ وفيلتمان
النقطة الأولى هي أنّ كلّ المقولة التي استند إليها سليمان للتمديد لنفسه، انطلقت من أنّ واشنطن أوكلت إلى باريس إدارة ملف الاستحقاق الرئاسي اللبناني نيابة عنها. وتبيّن الآن أنه لم يكن هناك أيّ أساس لهذا التوكيل على أرض الواقع، خصوصاً بعدما ظهر أن كلمة السرّ الأميركية وصلت أخيراً إلى سفير أميركا في لبنان ديفيد هِلْ، لكي يضطلع بدور الوسيط الأميركي بين الإقليميّين والمحليّين بخصوص إنضاج هذا الاستحقاق. وتتوقف مصادر قريبة من سليمان عند سيرة هِلْ الشخصية داخل الخارجية الأميركية فهي تقدمه على أنه الدبلوماسي الأكثر إطلاعاً على الملف اللبناني الداخلي وتشعّباته الإقليمية. وأكثر من ذلك، فهو لديه في إضبارته كدبلوماسي خبير في لبنان مزايا لصالحه قياساً بمزايا جيفري فيلتمان الذي خدم طويلاً في بيروت ولديه علاقات وثيقة مع شخصيات لبنانية كثيرة. ونقطة تمايز هِلْ الأساسية تكمن في أنه خلال عمله كمسؤول عن الصلات السياسية في سفارة بيروت نهايات الثمانينات وأوائل التسعينات، كان له دور فعّال في وضع اتفاق الطائف على سكة التطبيق الناجح في لبنان، علماً أنّ فيلتمان اتسمت تجربته اللبنانية بعدم تحقيق أي هدف أميركي في بلد الأرز.
ثم هناك انطباع عن هِلْ يسود الآن في قصر بعبدا وفي كواليس سياسية مارونية، يفيد أنه قريب من فكرة أنّ لبنان الآن كما كان عشية الطائف يحتاج إلى الصدمات الإيجابية لا السلبية، وأنه من الأفضل أن يخدم الاستحقاق الرئاسي هذا المعنى الآنف. وعليه يرى هِلْ أن سياسات سمير جعجع التي اتسمت عشية الطائف وخلال بدايات تنفيذه، بالسلبية، تتكرّر الآن عبر اعتكافه عن المشاركة في الحكومة السلامية، ومن خلال ترشحه بغية قطع الطريق على إمكانية توصل الحوار العوني – الحريري إلى نتائج بغضّ النظر عن صلتها بالاستحقاق الرئاسي.
ولا يُعتبر الكلام الآنف أنّ هِلْ يتبنى وصول عون إلى الرئاسة، بقدر ما يعبّر عن عدم ميله إلى وضع «فيتو»عليه في ما لو تمّ التوافق عليه لبنانياً وكان جزءاً من مشهد إحداث صدمة إيجابية للواقع اللبناني ينقله إلى حالة متقدمة من الاستقرار المطلوب دولياً، أو حتى لو كانت حصيلة تفاهم إيراني ـ سعودي على صلة بمقايضة يكون طرفها الآخر شكل الحكومة الجديدة في العراق.
ويصف أحد الدبلوماسيين العرب رؤية هِلْ للاستحقاق الرئاسي بأنها يجب أن تكمل مسار الصدمة الإيجابية التي أحدثتها خطوة تشكيل الحكومة السلامية.
السعودية وأوراق الاستحقاق
النقطة الثانية التي تبرز حالياً في مراجعة قصر بعبدا لخلط تكتيكاته لنيله هدف التمديد، تركز على أن الرئيس سليمان أخطأ عندما استمع إلى باريس، أو على الأقل لأجواء مشتركة بينه وبينها، وأوحت إليه بأن شنّه حملة على حزب الله في ربع الساعة الأخير من عهده من شأنها أن تقرّبه من احتمالات تمديد ولايته، لأنّ ذلك يقرّبه من السعودية التي بيدها إلى حدّ بعيد قرار تسهيل إنتاج رئيس الجمهورية العتيد.
لكن سليمان اكتشف الآن خطأ هذه النصيحة التي أبلغته أيضاً ما معناه أن تسعين في المئة من أوراق الاستحقاق الرئاسي هي بيد الرياض، وتأكد له الآن كم أنّ هذه النظرية شبيهة بنتائجها لنظرية أنور السادات عن أنّ العمّ سام يملك بيده 99 في المئة من أوراق الحلّ في الشرق الأوسط.
وبحسب المصادر عينها فإنّ فحوى هذه المقولة كانت تقول إنّ إيران في لحظة المهلة الأميركية لفحص سلوكها، سوف تحاول إبداء ليونة تجاه المطالب السعودية الإقليمية الممكن تنفيذها، وذلك لإرضاء واشنطن ودفع حوارها معها المباشر أو عبر الـ5+1 إلى المرحلة الثانية من التفاهم. ورأت هذه المقولة إنّ إيران قد تقبل بالتجديد لسليمان إذا طلبت السعودية ذلك، لأنّ هذا الأمر لا يشكل ضرراً بمصالحها قياساً بما قد تطلبه الرياض منها في العراق أو غيره. وتابعت هذه المقولة إنّ كلّ ما هو مطلوب من سليمان فعله في ربع الساعة الأخير من عهده هو طلب مرضاة السعودية بالقدر الذي يسعه فعل ذلك. وقد بالغ سليمان في تقبّل هذه النصيحة وذلك إلى الدرجة التي سمح بها لنفسه بالقول «عاشت السعودية ومن ثم عاش لبنان»، وذلك بمناسبة إعلانه عن الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني.
وتكشف نفس هذه المصادر في إطار ما تسميه رواية ربع الساعة الأخير من قصة سليمان مع بعبدا أنّ الأخير حاول إعادة التوازن لإيقاعاته التكتيكية، وذلك بعد اكتشافه خطأ نصيحة النوم على وسادة هولاند وأيضاً سخف مقولة إن كلّ القرار بخصوص الاستحقاق الرئاسي هو سعودي، فعمد إلى الدعوة لعقد طاولة الحوار، علّه بذلك يطوي صفحة الخلاف الحادّ مع حزب الله ويعيد إنتاج دوره كراعٍ للتفاهم وليس كأحد عناصر تفجيره. لكن رفض حزب الله الاستجابة للدعوة كانت بمثابة رسالة له بأنّ الوقت تأخر.