المكرمة السعودية للجيش اللبناني… أين أصبحت وما مصيرها؟!

علي البقاعي

ثلاثة مليارات دولار أميركي، أو عشرة مليارات ريال سعودي، هبة سعودية ملكية للجيش اللبناني من دون تحديد العدو أو الخصم. هبة من الصعب إحصاء عدد أصفارها بالعملة اللبنانية، إذ لم يسبق أن تبرع أحد للبنان بهذا المبلغ الكبير دفعة واحدة.

هبة من خادم الحرمين الشريفين، عبدالله بن عبد العزيز، كرمى لعيني «مواطنهم» المدلل، سعد الدين الحريري، السعودي الجنسية والإقامة واللبناني الولادة، وتكريماً لصديقهم المغادر فخامة الرئيس ميشال سليمان على أمل التمديد له في قصر بعبدا، ردّاً للجميل على مواقفه المميزة في السنة الأخيرة من عهده نصيراً ومؤيداً لمواقف المملكة وحلفائها في لبنان خاصة، وموالياً لمواقفها في الأزمة سورية والمنطقة عامة.

من الصعب جداً الدخول في تفاصيل الشروط المفروضة على كيفية إستخدام هذا المبلغ الذي يعادل نصف الموازنة اللبنانية التي لم تقر منذ عشر سنوات، سواء لناحية الشرط الأول والأساسي الذي يفرض على الحكومة اللبنانية أن تشتري السلاح من فرنسا، ولا كيف ستصرف هذه المكرمة ومن يوقع على أوامر الصرف النهائية، هل هو المانح أم الممنوح؟ أو عن نوعية الأسلحة التي سيسمح للبنان بأن يشتريها من «الأم الحنون» وهل تكون دفاعية أم هجومية؟ وأين ستنشر هذه الأسلحة وضدّ من ستستخدم؟ وهل تشمل قائمة المشتريات أسلحة نوعية مثل الصواريخ بعيدة المدى والرادارات المتطورة وطائرات الهيلوكوبتر الحديثة والزوارق والطرادات البحرية إضافة إلى الصيانة والتدريب النوعي؟ أم ستكون أسلحة مخزنة مرميّة منذ سنوات في عنابر الجيش الفرنسي سيعاد تدويرها لاستخدامها في حرب تختلقها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو مثلما حدث في العراق وأفغانستان وليبيا.

للمبادرة الملكية السعودية تفسيران منطقيان، الأول أن ملك السعودية والرئيس الفرنسي الصهيوني الميول والعقيدة، فرنسوا هولاند، ومعهما أحرار «ثورة الأرز» الذين فقدوا البوصلة بعد «تفنيش» ملهمهم بندربن سلطان يريدون حقاً دعم المقاومة عن طريق تزويد الجيش اللبناني أسلحة نوعية تضاف إلى سلاح المقاومة وقدراتها القتالية للوقوف في وجه الغطرسة «الإسرائيلية» ومساعدة لبنان في استرجاع ما تبقى من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر، وهذا أمر مستبعد، بل شبه مستحيل. أما التفسير الثاني فهو أن المبادرة هي أساساً مكرمة ملكية ملغومة اسُتحدثت في أحرج فترات الأزمة في سورية، ظناً من الملك وصديقه الفرنسي يوم انطلقت المبادرة أن النظام في سورية سائر نحو الهزيمة، وأن الوقت مناسب لمنح الهبة للجيش اللبناني إذ سيرفض حزب الله وحلفاؤه في 8 آذار المبادرة الملكية/الرئاسية ويقع الفراق والصدام مع الجيش، وهذا هو التحليل المنطقي للمكرمة. لكنّ حزب الله وحلفاءه خيّبوا آمالهم وتجاوزوا حقل الألغام لثقتهم بعقيدة الجيش القتالية أن العدو الأول للبنان هو «إسرائيل»، وليقينهم بأن سورية بفضل قيادتها وحماة ديارها جميعاً، سائرون إلى النصر في حربهم على الإرهاب المدعوم سعودياً وفرنسياً و«إسرائيلياً» و«أرزيّا»، فأفشلوا بذلك خطة الفتنة اللبنانية – اللبنانية وأصيوا بصدمة مريرة.

يعتقد أحد العارفين بالأمور السعودية أنه نتيجة سير الأوضاع عسكرياً في سورية وهزيمة المشروع السعودي هناك وخيار الشعب السوري انتخاب الرئيس بشار الأسد رئيساً لسورية لسبع سنوات جديدة قد تمتد لسبع أُخر، ونتيجة فشل السعودية وفرنسا وأصدقائهما في فرض حكومة أمر واقع في لبنان والقبول بحكومة «مصلحة وطنية» وفشلهما منفردين ومتحدين ومتحالفين مع غيرهما في التمديد للرئيس سليمان أو الإتيان برئيس يكون من عجينة 14 آذار أو ما يشبهها، قد تعدل السعودية عن رأيها بالاستمرار في «مكرمتها» العسكرية أو على الأقل قد تؤجلها إلى أجل غير مسمى عن طريق المساومة والمراوحة وخلق شروط ومتطلبات جديدة قد يكون صعباً تنفيذها.

بناء على ما تقدم، ولتيقني من أن السلاح النوعي لن يصل إلى لبنان وجيشه بعد الانتصارات السورية المظفرة، خاصة في حمص والقلمون وقريباً في حلب، ولأن السعودية وحلفاءها لن يسمحوا للمقاومة بالإفادة من السلاح النوعي الذي قد يحصل عليه الجيش اللبناني من هذه المكرمة، وبما أنه معيب بحسب التقاليد العربية استرداد هذه المكرمة، أقترح على جلالته أو من ينوب عنه أن يُحوّل جزء من هذه المكرمة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية والخاصة ودور الأيتام والمستشفيات والمدارس والأبنية التي تهدمت بفعل السيارات المفخخة التي فجرها انتحاريو «النصرة» و«داعش» الذين يموّلهم أبناء الملك وإخوته وأبناء إخوته. كما أقترح على جلالته أو من ينوب عنه صرف قسم من الهبة لعوائل الشهداء من عسكريين ومدنيين استشهد آباؤهم وإخوتهم وأبناؤهم نتيجة سيارات الموت والأحزمة الناسفة التي استخدمها انتحاريو «النصرة» و«داعش».

لكي يذكر اللبنانيون فضل المملكة على أجيالهم القادمة، أقترح كذلك أن يصرف بعض من هذه المكرمة للحكومة اللبنانية لتغطية العجز في سلسلة الرتب والرواتب فيعفي حلفاءه في «ثورة الأرز» من الإحراج في مجلس النواب، ويوزع ما تبقى على المؤسسات الخدماتية فتشرى آليات حديثة وسيارات إطفاء متطورة وبضع طائرت مخصصة لمكافحة الحرائق لمؤسسة الدفاع المدني استعدادأ لفصل صيف ملتهب وقد يحتاج إليها بعض مواطني المملكة في مصايفهم هذا الصيف.

اما ما قد يتبقى من المكرمة الأميرية فيمكن تقديمها إلى الحكومة اللبنانية التي تعتبرها المملكة حكومة صديقة، بحيث يصار إلى تحديث وتطوير الرعاية الاجتماعية والتربوية والصحية والحياتية للنازحين من المواطنين السوريين الذين تجاوزوا المليون وهم ضحية «ثورة الربيع العربي» المدمرة التي يموّلها «أمراء الديمقراطية» في مملكة آل سعود.

في حال بقيت بضعة ملايين من المكرمة الأميرية أقترح على جلالته أو من ينوب عنه أن يحوّلها إلى أعوانه وحلفائه في سورية من «داعشيين» و«نصريين» وقتلة مأجورين إذ سيحتاجونها في القريب العاجل ليدفعوا ثمن ثياب مدنية جديدة وشراء شفرات لحلق ذقونهم وثمناً لتذاكر السفر للعودة إلى بلدانهم الأصلية في السعودية والشيشان وأوزبكستان وأفغانستان وليبيا وباكستان والصومال إذا تجرأت هذه الدول على استقبالهم أو إلى أي بلد يمكن أن يستقبلهم إذا وُجد هذا البلد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى