سورية: استشراء تآكل المعارضة المسلحة
حميدي العبدالله
تصاعدت في الأيام القليلة الماضية الصراعات في صفوف المعارضة المسلحة، وسُجّلت في الأيام القليلة الماضية تطوّرات مهمّة أبرزها اعتقال «جبهة النصرة» في محافظة درعا «قائد المجلس العسكري» أحمد النعمة، بعد ساعات من إعلان النعمة تشكيل «جبهة ثوار جنوب سورية» على غرار التشكيل الذي يقوده عبد معروف في محافظة إدلب ويرتبط وثيقاً بالاستخبارات الأميركية والائتلاف المعارض، كما اعتُقل عدد من قيادات «المجلس العسكري» الذين كانوا برفقته. وبعد مرور أقلّ من يومين اغتيل مسؤول «جبهة النصرة» في مدينة بصرى، وقبل ساعات أيضاً اغتيل عدنان خبية أحد أبرز قادة الجماعات المسلحة في مدينة دوما والغوطة الشرقية. وتشير هذه الاغتيالات والتهديدات المتبادلة بين الجماعات المسلحة المتنافسة والمتصارعة إلى امتداد المواجهة بين هذه الجماعات إلى المنطقة الجنوبية والغوطة الشرقية، بعدما كانت هذه المواجهات محصورة في محافظات إدلب وحلب والرقة والحسكة ودير الزور. كما تشير هذه الاغتيالات والاعتقالات إلى اقتراب بدء موجة عنيفة من المواجهات المسلحة في المنطقة الجنوبية والغوطة الشرقية بين الجماعات المتنافسة، وما يجعل مثل هذا الاحتمال أمراً مرجحاً ثلاثة عوامل أساسية:
العامل الأول، الاتهامات التي وجهتها «جبهة النصرة» إلى رئيس «المجلس العسكري» في درعا ومعاونيه الذي عاد لتوّه من الأردن، إذ اتهمته بأنه مشروع «صحوات» في هذه المنطقة، وهي الاتهامات ذاتها التي وجهها تنظيم «داعش» إلى «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» والفصائل المنضوية تحت راية «الجبهة الإسلامية».
العامل الثاني، الاتهامات التي أشارت إلى أنّ اغتيال عدنان خبية هو نتيجة «خرق أحدثه النظام في صفوفنا» مثلما ورد على لسان أحد قادة الجماعات المسلحة في مدينة دوما، والاتهامات التي وجهتها النصرة إلى «رئيس المجلس العسكري» في درعا بأنه يعمل «لمصلحة النظام السوري».
العامل الثالث، القناعة لدى «جبهة النصرة» بأنّ الأردن، نيابة عن الولايات المتحدة وحلفائها، هو الذي يقف وراء دعم بعض الجماعات المسلحة «على حساب جماعات أخرى»، إذ نسب إلى «مصدر مقرّب من النصرة» قوله «إنّ المؤشرات ازدادت في الأيام الفائتة على وجود نيّة لدى المجلس العسكري بقيادة الخائن أحمد النعمة لمحاربة جبهة «النصرة»، مضيفاً إنّ «الإنجازات الأخيرة التي حققتها النصرة، والتي تمثلت في تقدّم المجاهدين على الأرض، وسيطرتهم على مناطق استراتيجية، سواء في القنيطرة أو درعا، أثارت مخاوف الاستخبارات الأردنية».
تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ودول المنطقة التي تدور في فلكها، جاهدةً إلى تعزيز مواقع الجماعات المرتبطة بها لتسهيل تدفق السلاح للوقوف في وجه تقدم الجيش العربي السوري، لكن وجود تنظيمات «القاعدة» والخوف من استيلائها على الأسلحة المتطورة التي ترسلها إلى الجماعات المرتبطة بها أربكت خططها وساهمت في تسهيل زحف الجيش السوري وتحقيقه إنجازات على الجبهات كافة. وبديهي في ظلّ الحسابات المتعارضة بقوة، أن تؤدي هذه التعارضات إلى اندلاع نزاع وتحوّله إلى مواجهة مسلحة وامتداده إلى المنطقة الجنوبية ومنطقة الغوطة الشرقية.
بدأ هذا الصراع المسلح، حتى قبل اندلاعه في المنطقة الجنوبية، يترك آثاراً وتداعيات كثيرة، فقد اعترف «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض بأنّ «الاقتتال بين جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام التي تستلهم بنهج القاعدة في شرق سورية أجبر أكثر من ستين ألف شخص على الهرب من ديارهم، وتسبّب بإخلاء قرى ومقتل عشرات المقاتلين».
استشراء الصراع بين جماعات المعارضة المسلحة وامتداده إلى جميع مناطق تواجدها ترك تداعيات أبرزها:
تغيّر أولويات الجماعات المسلحة، فبعدما كانت هذه الجماعات موحدة نسبياً في القتال ضدّ الجيش العربي السوري، باتت أولوياتها الآن صدّ الأخطار التي تأتي من هذا الفصيل أو ذاك.
الاقتتال بين هذه الجماعات المسلحة يستنزف قدراتها البشرية والعسكرية، إذ سقط حتى الآن منذ اندلاع هذا القتال أكثر من خمسة آلاف مسلح.
ترك الاقتتال حالاً من الإحباط على مستوى المقاتلين وحتى قادتهم وعلى مستوى البيئة الحاضنة لهم، وعبّر عن هذه الواقعة أبو صبحي طه أحد قادة «جيش الإسلام» في كلمته أثناء تشييع عدنان خبية، إذ قال بالحرف الواحد: «هناك فرصة يومين اثنين، فإن لم يكن هناك وحدة، فأنا أول الخارجين إلى البيت».
هذه التداعيات كلّها سيكون لها بالتأكيد تأثير في المشهد الميداني العام في سورية.