تانغو آستور بيازولا السهل الممتنع على مسرح «دار الأسد للثقافة» ـ اللاذقية
ياسمين كروم ـ مي قرحالي
الانسجام الواضح في الأداء الموسيقي وانتقاء المعزوفات المتميّز، كانا أبرز ملامح الأمسية الموسيقية التي أقامها مؤخراً عازفون شباب من مدرسة نادي «حكايا الفن» على مسرح «دار الأسد للثقافة» في اللاذقية، كتحية منهم للفنان الأرجنتينيّ آستور بيازولا، الذي قدّم شكلاً جديداً من التانغو الأرجنتيني الشعبي ونشره بأسلوبه الخاص في معظم أنحاء العالم، بعدما أعاد صوغه بشكل أكاديميّ استغرق منه دراسة وأبحاثاً عالية المستوى.
وتضمّن الحفل عزفاً لعدد من المقطوعات الموسيقية لبيازولا، بينها «وداعاً أيها الجدّ» و«إرهاص»، و«نسيان»، إضافة إلى معزوفة أُلّفت خصّيصاً للموسيقيّ المكرّم في الحفل الذي استمرّ لأكثر من ساعة، بمشاركة أحد عشر عازفاً وعازفة توزّعوا على آلات البيانو والغيتار والكمان مع حضور متميّز لآلتَي التشيلو والفلوت، إذ تميّز الحفل بطابع جمع بين الحيوية والرومانسية في الوقت نفسه.
وأوضح حسان علي، منسّق الحفل، أن بيازولا شكل حالة تجريبية لافتة في القرن الماضي. فعلى رغم توجّه الموسيقيين في عصره إلى البحث في أسس تطوير الموسيقى الحديثة، إلا أنه قرّر التركيز على موسيقى التانغو الأرجنتينية الشعبية، فأجرى عدة دراسات بمساعدة متخصّصين أكاديميين في ألمانيا وأميركا وفرنسا، ليعيد صوغ هذه الموسيقى ويحقّق للتانغو نقلة نوعية. مؤكداً أن هذا الحفل هو الأول من نوعه في سورية من حيث تقديم برنامج كامل لهذا المؤلف، لا سيما أن هناك مقطوعات تعزَف للمرّة الأولى من قبل عازفين سوريين.
وأضاف علي: «لم نحصل على المقطوعات الخاصة بالمؤلف بسهولة، لا بل على العكس، بذلنا جهداً لتجميعها. حتى أنّنا أعدنا صوغ بعضها بطريقة تلائم الآلات الموسيقية التي صمّمنا أن تكون متنوعة قدر الإمكان لتقديم قوالب موسيقية متعدّدة كالرباعي الوتري وخماسي التانغو، إضافة إلى العزف الثنائي والثلاثي، كما قمت بكتابة عمل خاص حاولت من خلاله تقمّص شخصية بيازولا، وتخيلت الشكل الذي سيتحدث به عن نفسه في حال عودته إلى الحياة، مع إبراز بعض الجوانب الشخصية الخاصة بي في الكتابة والتأليف».
ويمكن التأكيد على أن مشاركة عازف التشيلو محمد اسماعيل شكلت إضافة حقيقية للحفل بحسب قول المنسق، إذ إنّ آلة التشيلو ذات الصوت الرخيم تركت بصمتها الواضحة على الأداء الموسيقي للمقطوعات، لا سيما الرومانسية، إذ تمكّن العازف من استعراض إحساسه العالي على آلته القوسية التي تعطي صوتاً ممتداً قريباً من آلة «البانديلون» التي استخدمها بيازولا، فحاول بوساطة التشيلو تغطية المساحة الصوتية الكبيرة التي تنتج عنها، لا سيما ما يتعلق بالأصوات المنخفضة.
ولفت عازف «الفلوت» يزن خازم إلى أن معظم الآلات المشاركة تندرج ضمن النوع الوتريّ، ما أعطى آلته أهمية خاصة كآلة نفخية قادرة على الوصول إلى العلامات الموسيقية العالية. فقدّم ثلاث فقرات أبرز فيها الكثير من الشغف والمشاعر والنضج التي تتطلبها موسيقى المؤلف بيازولا.
من ناحيته، أشار عازف الكمان علاء الجمال إلى أن التانغو فيه من القوة والمشاعر الصاخبة ما يكفي لشد انتباه الجمهور، من دون أن يكون هناك حاجة إلى الأداء الصوتي في الحفل. مثنياً على التنوّع الكبير الذي اتّسم به البرنامج والذي جعل منه متكاملاً وشاملاً. قائلاً إنه تجاوز صعوبات السرعة المطلوبة في بعض الفقرات من خلال التدريب والتنسيق مع باقي أعضاء المجموعة.
وقال: «قدّمنا معزوفات يسمعها الناس من دون أن يعرفوا أنها لبيازولا، ضمن حفل ذي نمط كلاسيكيّ، وبعيداً عن الارتجال إلا في مقطوعة واحدة. وهذا ما جعل الجميع يلتزمون النوطة مع الاعتماد بشكل كبير على إظهار روح العمل الجماعي».
الأمر نفسه أكده عازف الغيتار علي خير بك، لافتاً إلى أنه قام بأداء عزف قريب من موسيقى الجاز، بحيث تنسجم مع موسيقى التانغو لإعطاء طابع مختلف للحفل. وقال إنّ العازفين لم يقدّموا مقطوعات منفردة، بل حاولوا خلق حالة من الانسجام بين آلاتهم المختلفة.
وذكر عازف الغيتار كلاسيك بشار سلمان أن مشاركته تجلّت من خلال ستّ مقطوعات، معتمداً عدّة قوالب موسيقية تضمّ أكثر من حركة بسرعات معينة ودينامية مختلفة، ليتنقل بين السرعة والنمط البطيء أثناء العزف.
وقال سلمان: «موسيقى بيازولا لا تتطلب عزفاً منفرداً، إنما تحتاج إلى عدّة آلات. ويُعتبر أمراً جيداً أن نلتقي معاً للمرّة الأولى كعازفين شباب نملك خبرات مختلفة لتقديم نمط التانغو الذي يحظى اليوم بشعبية جيدة في الشارع السوري، موجّهين في الوقت نفسه تحية إلى مؤلف موسيقيّ عالميّ له بصمته في عالم الموسيقى الذي نحبّه».