حرب باردة بين إيران والسعودية في مصر

روزانا رمّال

بالنظر عن قرب إلى مشهد الأحداث المصرية المتسارعة منذ ما اسماه الإخوان المسلمون انقلاباً على الحكم، والذي قاده المشير عبد الفتاح السيسي حينها بعد التظاهرات الضخمة التي اجتاحت البلاد، يلفت العمل السريع على إعادة الترتيب الداخلي للبيت المصري من المهتمين في مصر، وموقعها خصوصاً من الدول الإقليمية.

اكثر المهتمين والمندفعين نحو إحداث تغيير جذري وسريع في مصر كانت المملكة العربية السعودية، وبمجرد أن وضعت مصر على جدول أولوياتها نظراً لما فيها من مركز تأثير أساسي، وما يمثله الأزهر إضافة إلى موقعها الاستراتيجي إضافة إلى كونها أكبر الدول العربية حجماً وتأثيراً، ليس المقصود هنا أن مصر هي إمارة سعودية إنما المقصود أنها لطالما كانت شريكاً أساسياً وحليفاً ممتازاً أثناء حكم مبارك…

لا يمكن تلقي أي تحرك سياسي أو موقف سعودي في ظروف عاصفة كالتي تمر بها المنطقة اليوم على انه امتداد لإجراءات عادية أو سلسلة مواقف طبيعية أو روتينية، أو التعاطي مع موقفها على أنه موقف عادي، أو حضور اجتماعات تدعو إليها السعودية على أنها اجتماعات تقليدية، لأنه وعبر التاريخ ثبت بعد البحث في أي سلوك أو هدف سعودي تسعى المملكة إلى الوصول إليه، انه لا يتخطى أو يتقدم على الثوابت التي التزمت فيها المملكة ويحاكي الهواجس التي تعتريها في قضايا عدة، بينها أمنها القومي والاستراتيجي ونفوذها في المنطقة العربية وهالتها بين المسلمين، وقدرتها الدولية على التأثير بعواصم القرار، من هنا وبالنظر إلى معنى تقدمها في المشهد المصري لا بد من التساؤل عن السبب الأساس والأهم بالنسبة إليها، والحافز الذي دفعها إلى خطوات دقيقة كان البعض منها مفتعلاً ومس مباشرة بالعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، لتتضح دقة الخطورة التي كانت ستواجه السعوديين إذا لم يتحركوا نحو مصر سريعاً.

للوهلة الأولى يهيأ للمتابع لأشهر كثيرة أن السعودية كانت تسعى لتحجيم الدور القطري الطارئ، وعدم السماح لأي دولة خليجية ببناء سلسلة علاقات ونفوذ قادر أن يفوق نفوذها في بعض المواقع، وللوهلة الأولى أيضاً هيئ للمراقب أن قطر بدأت تغيظ السعودية وتتجه نحو تعديها شكل ودور وحجم دولة خليجية صغيرة، لتصبح صانعة أحداث وأدوار وتحالفات، وهذا صحيح لكنه ليس كافياً لتفسير حجم الإندفاعة السعودية، فما وراء كل هذا ما هو أخطر وأعمق بكثير يمس بالنفوذ السعودي في الخليج والمنطقة عموماً، ويتعدى قطر كحالة جديدة طارئة على «عالم السياسة»… إنها إيران.

فما هي علاقة إيران بالمشهد المصري؟

بعد تربع الإخوان المسلمين على كرسي الرئاسة المصرية ومؤسسات الدولة المصرية، اجتاحت جماعة الإخوان المسلمين المنطقة مستندين إلى السيطرة على مثلث مصر وتركيا إلى فلسطين المتمثلة بحركة حماس، فانتشر نفوذهم وصولاً لتونس وليبيا وكانت قطر حاضرة بصورة دائمة فهي الداعمة الأساس عربياً والممولة لكل هذه الحركات، وبين دول مجلس التعاون الخليجي ضمناً.

تعرف السعودية جيداً أن العلاقة بين تركيا وإيران ودية، وبين قطر وإيران جيدة أيضاً على رغم كل ما جرى في سورية، هذا ما كان علامة تعجب لدى كثيرين، فمن جهة إيران خصم عنيد لقطر وتركيا في سورية وهم يتحاربون على أرضها يمول كل فريق حلفاءه ومسلحيه، ومن جهة أخرى بقيت العلاقات المعلن عنها بينهم رسمياً جيدة.

السر في الرهان المصري المشترك لكل منهم

هذا الود في العلاقة كان ممكناً لو بقي نفوذ الأخوان في مصر أن ينعكس في المستقبل أو يؤسس لتعاون إيران تركي قطري في التفاوض السوري السوري تكون جماعة الإخوان جزءاً منه، طالما أن موقف إيران من الجماعة تكتيكي، ولها فيها في كل مقام مقال، وما عزز هذه الفرضية انفتاح مصري إيراني مستجد في عهد مرسي، حيث توجت العلاقة بزيارة أول رئيس إيراني لمصر وكان أحمدي نجاد للمشاركة في قمة منظمة التعاون الإسلامي وذلك لأول مرة منذ الثورة الإسلامية في إيران، وكان قد سبقها زيارة قام بها الرئيس مرسي لإيران للمشاركة في قمة عدم الانحياز ، إضافة إلى ذلك ففي عهد الإخوان المسلمين في مصر أقلعت أولى الطائرات من مطار القاهرة الدولي وتوجهت إلى طهران، بعد أن توقفت بقطع العلاقات الثنائية بعد اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 أيضاً.

كل هذه المخاوف السعودية من إيران عززتها مواقف إيران الرسمية بعد اندلاع الثورة الثانية في مصر، وتسلم السلطة الانتقالية المدعومة من الجيش المصري، حيث صدر عن الخارجية الإيرانية مواقف مغايرة لثورة يونيو، ما اعتبرته السلطات المصرية تدخلاً في الشؤون المصرية.

الاستدراك السعودي السريع لتمدد النفوذ الإيراني أعقبته تحركات حاسمة وخطوات سريعة بدأت من قطع العلاقات مع قطر الداعمة للإخوان المسلمين من قبل بعض دول الخليج، وصولاً إلى دعم إعلامي واضح للثورة الثانية في مصر من قبل الوسائل الممولة سعودياً، وصولاً إلى فتح اتصالات ومفاوضات دولية عرضت السعودية فيها مقايضات وتنازلات تضمنت سورية، تكشف الأيام المقبلة تفاصيلها مقابل ترشيح السيسي للرئاسة وفوزه في محاولة منها للعودة إلى الوضع السابق، بعد أن تيقنت من خطورة تجربة ثورة كانون الثاني في مصر عليها وعلى امتداداتها.

هكذا سعت السعودية لإضعاف النفوذ الإيراني المحتمل تمدده أكثر بظل حكم جماعة الإخوان المسلمين، وهكذا اتضح أكثر الهاجس السعودي من التمدد الإيراني الذي اعتبرته تهديداً مباشراً لها، وإذا كانت السعودية قد حاولت التدخل في مصر لإخراج إيران من اللعبة هناك في عهد الإخوان، يبقى السؤال هل ستستطيع منع أي علاقة مستقبلية واعدة بين مصر وإيران أو تطبيع في عهد السلطات المقبلة، خصوصاً بعد الحراك الإيراني المتوازن بعد تسلم الرئيس حسن روحاني وانكفاء لغة التضامن الإيراني مع الإخوان المسلمين، وانكفاء الحملة على الجيش وبدء رسائل ايجابية نحو الجيش المصري، إضافة لما كان ملفتاً نجاح المصالحة الفلسطينية الفلسطينية وما وراءها من تلاق أو تقاطع سعودي مصري إيراني ما كانت لتتم من دونه ؟

في المقابل وبالنظر للجانب المصري المتمثل بالمرشح الأقوى للرئاسة الجنرال عبد الفتاح السيسي وفي محاولة لمراقبة سلوكه أو مواقفه حيال إيران، فالمديح المتواصل منه للملك عبدالله ووصفه بحكيم العرب ورجل العرب، وكشفه منذ أيام في مقابلة تلفزيونية عن أن زيارته الأولى إذا فاز ستكون للمملكة العربية السعودية، لم يترافق مع أي كلام سلبي عن إيران باعتبارها مصدر الخطر على الأمن القومي للعرب.

فإلى أي مدى نجحت السعودية في إبعاد إيران عن المشهد المصري كما هدفت؟ الأيام المقبلة تجيب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى