البعد الإقليمي للهجوم على إدلب وجسر الشغور

إبراهيم علوش

ما جرى في جسر الشغور جاء أساساً نتاج تطورات إقليمية أكثر منها سورية داخلية. فما يسمى بـ»جيش الفتح» الذي هاجم جسر الشغور ومدينة إدلب من قبلها هو حصيلة توافق سعودي قطري – تركي أنتج توافقاً بين فصائل «النصرة» و»أحرار الشام» وفصائل أخرى ارتبطت من قبلُ بـ»الجيش الحر». وقد لاح بعض معالم التقارب السعودي مع قطر أو تركيا أو جماعة «الإخوان المسلمين» بعيد وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم في الرياض، وقد تمخّض رأب ذلك الخلاف الإقليمي أيضاً عن العدوان على اليمن وعن تراجع أولوية قتال «داعش» والتكفيريين إلى المقام الثاني أو إلى ما هو أدنى من ذلك بكثير، كما أنه أسس لشقاق سعودي – مصري بانت معالمه عبر تسريبات إعلامية مختلفة فيما راحت السعودية تلوح، عبر مندوبها في الأمم المتحدة، بـ»عاصفة حزم» ضد سورية، وهو ما لقي رداً سورياً واضحاً وسريعاً وحاسماً على لسان مندوب سورية في الأمم المتحدة بشار الجعفري.

التوافق السعودي ـ القطري – التركي الذي انعكس ميدانياً في إدلب وريفها ترافق مع تحضيرات لإقامة اجتماع موسّع تحتضنه السعودية لـ»المعارضة السورية» بدعم قطري – تركي، يضم عناصر من «الائتلاف» ومن خارجه، في محاولة لرأب الصدوع والتشققات في صفوف تلك «المعارضة»، وفي تجاوز مباشر للقاءات القاهرة والدور المصري، ناهيك عن لقاءات موسكو والدور الروسي، من أجل إعادة الإمساك بالملف السوري ووضعه على سكة التصعيد الميداني والسياسي. وكانت صحيفة «هفينغ بوست» الأميركية قد نشرت تقريراً في 13 نيسان 2015 كشفت فيه عن محادثات سعودية – تركية برعاية قطرية لتشكيل تحالف عسكري للتدخل في سورية، عبر تدخل جوي سعودي وتدخل بري تركي. ويقول التقرير نفسه إن الأتراك مترددون في قبول مثل هذا الدور من دون غطاء سياسي عربي تقدمه السعودية وحلفاؤها، وإن أردوغان يرسل إشارات متتابعة على استعداده للتورط عسكرياً في سورية، بخاصة بعد الإعلان المشترك السعودي- التركي عن زيادة الدعم للفصائل المسلحة السورية والتعاون في القضايا الأمنية والدفاعية بعد زيارة أردوغان الرياض في 2 آذار 2015 والاستقبال الحافل الذي حظي به من الملك سلمان.

القصف الصاروخي المكثف الذي رافق هجوم «جيش الفتح» على مدينة إدلب وجسر الشغور وقرى ريف إدلب، وحرفية السيطرة والتحكم الذي تم فيه الهجوم، على رغم شموله فصائل متعددة ومتحاربة في الماضي، يحمل كل بصمات الإدارة التركية والناتوية والدعم المفتوح عبر حدود محافظة إدلب المحاذية لتركيا على مدى عشرات الكيلومترات المشرفة على لواء الإسكندرون العربي السوري المحتل. وربما تكشف الأيام عن وجود إشراف مباشر على المعارك في إدلب.

من دون التقليل من خطورة ما جرى، علينا أن نذكّر أنفسنا دوماً أن سورية تواجه تحالفاً دولياً إقليمياً ذا امتدادات محلية وتكفيرية تنتشر عبر عشرات الدول منذ أربع سنوات، وأنها مرت بظروف أصعب عام 2012 وظلت صامدة وخرجت منها أصلب وأقوى، وأن ما جرى جاء انعكاساً لتغيرات في تركيبة التحالفات الإقليمية، كما علينا أن نتنبه إلى أن التحالف الذي يزعم الدفاع عن العروبة في اليمن في وجه إيران هو نفسه الذي يحضّ تركيا على تسلّم الملف السوري وعلى التدخل ميدانياً في سورية بشكل مباشر أو غير مباشر، وأنه يدفع عملياً، لو نجحت مخططاته، لإعادة سورية إلى ربقة الوصاية العثمانية، فدوافع السعودية هنا، في سورية كما في اليمن، هي دوافع طائفية، ولا تمت للعروبة بصلة من قريبٍ أو بعيد.

باختصار، لقد دخل التآمر السياسي والميداني على سورية مرحلة جديدة، فيما لا يتردد العدو الصهيوني بالإغارة على القلمون والجولان، لكن في المقلب الآخر، ثمة مؤشرات إيجابية منها أن الأولويات السعودية الجديدة تختلف عن الأولويات المصرية، وهذا مهم، حتى في ظل الدعم المالي السعودي والخليجي لمصر، لأن التقارب مع تركيا والإخوان واستبدال أولوية محاربة «داعش» بأولوية محاربة الحوثيين وسورية وحزب الله، يتعارض مع أمن مصر الوطني، وهو ما لا يمكن إلا أن يؤدي إلى تباعد سعودي- مصري موضوعياً حتى لو تبين أن كل التسريبات الإعلامية عن حدوث مثل ذلك التباعد فعلاً غير دقيقة. لكن مثل ذلك التباعد، بالترافق مع السعي التركي إلى التمدد في سورية بغطاء سعودي، لا يمكن إلا أن يكون مفيداً للحل السياسي في سورية وفي اليمن، لأن تقارب السعودية الموضوعي مع حزب «الإصلاح» الإخواني في اليمن، وتعزيز وضع التكفيريين هناك الناتج من قصف أعدائهم الطبيعيين، لا يعقل أن يزوّق «عاصفة الحزم» كثيراً في نظر نظام السيسي، ولو حدثت مصالحة مصرية- تركية- قطرية يصعب أن تأتي لمصلحة «الإخوان» على حساب النظام المصري.

كذلك تأتي الخطوات السعودية ـ القطرية – التركية في سياق استهداف التفاهمات الإيرانية – الأميركية والخوف من تخفيف العقوبات على إيران وتصاعد دورها في الإقليم، وقد حاول أوباما تهدئة روع حكام السعودية والدول الخليجية بدعوتهم للقائه في البيت الأبيض، ثم في منتجع كامب ديفيد، في 13 أيار 2015، وبإعلانه رفض اعتبار الرئيس الأسد جزءاً من الحل السياسي، وبتقديم دعم لوجستي للعدوان على اليمن الذي تدل كل المؤشرات على أن الإدارة الأميركية لم ترتح لتوقيته أو هدفه السياسي المعلن وغير العقلاني وهو «القضاء على الحوثيين»! والعبرة أن التحالف السعودي- القطري- التركي يلقى غطاءه السياسي من الجمهوريين في الولايات المتحدة، ومن اللوبي الصهيوني، أكثر مما يلقاه من إدارة أوباما، ناهيك عن وجود إيران وروسيا مقابله، وهما ليستا بلا أوراق أو وسائل عرقلة ومواجهة في التعاطي معه. ولن تقفا مكتوفتي الأيدي إزاءه، حتى مع كل العقوبات والضغوط من أوكرانيا إلى سواها، لكن في النهاية يبقى الرهان الرئيسي الذي لا يخيب على سورية نفسها شعباً وجيشاً وقيادةً وعلى حليفها اللبناني الرئيسي: حزب الله، وعلى أنصار سورية في الوطن العربي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى