الرقم الصعب

إنعام خرّوبي

رغم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تثقل كاهله، يرزح لبنان تحت وطأة نزوح سوري كثيف يقترب من تجاوز معدّل ثلث عدد سكانه، مع ما يتبع ذلك من أعباء إضافية معيشية وصحية وسكنية وغير ذلك من الحاجات اليومية لهؤلاء النازحين الذين نشدوا فيه الأمان فلجأوا إليه هرباً من الصراع الدائر في سورية.

أبدى اللبنانيون، على صعيد فردي، إذا صحّ التعبير، تضامناً واسعاً مع النازحين فاستقبلوهم وأمّنوا لهم ما تيسّر من الخدمات على صعيد المأكل والمشرب، وعلى صعيد السكن والعمل أحياناً. إلا أنّ التضامن الإنساني مع هؤلاء النازحين لا يكفي في ظلّ غياب خطة طوارئ حكومية واضحة للتعامل مع وجودهم وتأمين أدنى مقوّمات العيش المقبول لهم.

وكأنه لا يكفي هؤلاء ما تعرّضوا له من اضطهاد دفعهم إلى الهروب من نيران الصراع وما يعانونه من ظروف إنسانية صعبة، وهم الذين تركوا بيوتهم وأرزاقهم وأعمالهم، فقد انعكست الخلافات السياسية الداخلية اللبنانية سلباً عليهم، وتحوّلت قضية التعاطي والنظرة إلى وجودهم في لبنان إلى محط انقسام إضافي بين السياسيين اللبنانيين، وكما هو معلوم فإنّ لبنان الرسمي لم يتخذ موقفاً موحداً من الأزمة السورية، وإنْ حاول الإيحاء بذلك عبر تبنّي ما سُمّي سياسة «النأي بالنفس»، بينما يشير الواقع إلى عكس ذلك تماماً ويظهر ذلك من خلال المواقف السياسية المتناقضة بين مؤيد للنظام في سورية وآخر مؤيد لـ«المعارضة»، بالإضافة إلى تورّط بعض السياسيين في دعم مجموعات مسلحة تمارس في سورية أبشع أنواع الجرائم والارتكابات، وتحوّل بعض مخيمات النزوح في لبنان إلى مكان لتجهيز الانتحاريين لتنفيذ عمليات إرهابية في سورية وفي لبنان، فضلاً عن اتخاذ البعض من ملف النزوح ساحة لتصفية الحسابات السياسية الداخلية الضيّقة.

على المستوى الاقتصادي، تقدّر كلفة النزوح السوري على لبنان، وفق تقديرات البنك الدولي بعشرة مليارات دولار، في حين لم تتجاوز المساعدات المقدّمة للبنان المليار دولار، ورغم الوعود الدولية والمؤتمرات الكثيرة التي عُقدت من أجل تمويل كلفة النزوح، إلا أنه لم يتحقق أيّ شيء من هذه الوعود على أرض الواقع، حتى بات الأمر أشبه بأن يكون شيكاً من دون رصيد.

ويطرح مصدر سياسي على صلة بمتابعة هذا الموضوع عدة تساؤلات قد يكون بعضها مشروعاً وخصوصاً أنّ أغلب تلك الدول المانحة ساهمت في شكل أو في آخر في تعميق أزمة الشعب السوري عبر دعمها الحرب التي شنّت على الدولة السورية: فلماذا هذا الفتور في التعامل مع هذه القضية، حيث لم يحصد لبنان من كلّ المؤتمرات التي عُقدت في هذا الخصوص سوى الوعود والشكر على كرمه في استضافة النازحين؟ كيف يتابع لبنان موضوع المنح والهبات؟ وإلى متى سيبقى يتحمّل تبعات هذه الأزمة المتفاقمة على وقع الوعود الدولية؟

على الحكومة التي اختارت أن تستمرّ كسابقتها في النأي بنفسها عن الصراع الدائر في سورية، وهي لا تزال حتى يومنا هذا ترفض التنسيق مع الدولة السورية، أن لا تنأى بنفسها عن حلّ هذه المشكلة التي تصيب كيانها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الصميم، وأن تسارع إلى حلّ خلافاتها والتباينات بين وزرائها حيال هذا الملف، وآخرها ما حصل بين الوزيرين رشيد درباس وجبران باسيل في جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، عليها وضع خطة طوارئ شاملة لمعالجة هذه الأزمة الكبيرة، والضغط على المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته في تقاسم الأعباء من جهة، وفي السعي إلى إيجاد حلّ سياسي للأزمة من جهة ثانية، ووقف دعم الدول الكبرى للمجموعات الإرهابية المسلحة وتمويلها، وإعادة إعمار سورية، وخصوصاً أنّ كلفة إعادة الإعمار ستفوق 250 مليار دولار، وسيكون للبنان دور مهمّ جداً على هذا الصعيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى