فرنسا واستثمارات دول الجوار السوري 1

محمد أحمد الروسان

عقيدة الأمن القومي الولاياتي الأميركي، تتقاطع مع نظيرتها الفرنسية، والتي صاغ مفاصلها وتمفصلاتها الأممية، أعضاء الحكومة العالمية في البلدربيرغ الأميركي والفرنسي والبريطاني والصهيوني أعضاء فيها بجانب آخرين، عبر مجموعات من أمراء ليل وغربان موت، بزعامات من أمثال وأشكال كارل رووف جنيّ البيت الأبيض، ومنظّر الربيع العربي برنارد ليفي، والتي عبّر عنها الناطق الرسمي باسم حكومة البلدربيرغ الأميركي، الرئيس باراك أوباما في ما كتبه في 15 شباط الماضي من العام الحالي، حيث تمّ الأيعاز إلى المجمّع الصناعي الحربي الأميركي لتنفيذها وتوسيعها، فتشمل الآن الحرب على اليمن، والذي تركه أخوته في الجبّ ميتاً، وقد تمتدّ إلى الجزائر والمغرب، كما أشرنا في أكثر من قراءة سابقة وفي أكثر من تحليل في غير من مكان ومناسبة، وستضرب في قلب القارة الأفريقية حيث الصراع مع الصين وبريطانيا وفرنسا وإيران وحزب الله هناك.

وهذه العقيدة أيضاً هي في جزء منها تتموضع في سعي حثيث للولايات المتحدة الأميركية إلى إنشاء نسخة متطورة ومختلفة من حلف بغداد جديد في الشرق الأوسط، انّه الناتو العربي بمضمون القوّة العربية المشتركة، والتي لا نعرف حتّى اللحظة طبيعة النظام الداخلي لها، خاصةً بوجود دولتين تلتزمان بمعاهدة مع الكيان الصهيوني فهل تقبل مثلاً تل أبيب بتدخل عربي لإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزّة مثلاً؟ والأخيرة أراض محتلة من قبلها، كذلك ما ماهية العقيدة العسكرية لهذه القوّة المشتركة؟ ثم هل ثمّة علاقة لهذه القوّة مع إسرائيل الصهيونية؟ ألم يبادر رئيس جهاز الموساد الأسبق إلى القول: سيكون هناك تعاون مع هذه القوّة كوننا نحارب الإرهاب! فأيّ إرهاب تتحدث عنه أيّها السافل شابطاي شابيط؟

عقيدة أميركية جديدة صيغت، حتى تتمكن العاصمة واشنطن من سحب قوّاتها من المنطقة ومناطق شمال أفريقيا كي تعيد تموضع قواتها في الشرق الأقصى، فوفّرت الغطاء السياسي لعمليات حلف بغداد الجديد الناتو العربي على اليمن وما زالت توفرها.

أميركا لا تريد إنهاء الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، بقدر ما تريد إدارة الأزمات، لا بل وأزيد من ذلك، تستخدم الأزمات عبر الوكلاء من بعض عرب، كأسلوب إدارة لذات الأزمات، لذلك واشنطن دي سي تدرك أنّ العقدة الحقيقية في المنطقة تكمن في أنّ كل شيء ممكن وفي ذات الوقت ليس كلّ شيء متاحاً، وتدرك أنّ وكلاءها في المنطقة لا يدركون ذلك، وان أدركوه تناسوه وبادروا إلى الفعل لغايات آنية ضيقة، وجعلوا صراعاتهم كدول صراعات شخصية بل وطفولية.

وهناك بون شاسع بين الممكن والمتاح، وهو المسؤول عن تموضع الشكل والجوهر الذي ينتهي إليه مسرح العمليات، حيث تضيق الخيارات كلّ الخيارات، وزمن المتاح بدأ يتلاشى قبل الكارثة المقبلة التي ستمزّق المنطقة وعبر حرب العرب بالعرب، حيث العرب ما زالوا يمارسون استراتيجية اللهاث وراء إيران، والأخيرة توظف وتستثمر في الأيديولوجيا لإحداث اختراقات جيواستراتيجية تخدم مصالحها، في حين أنّ العرب الأيديولوجيا عندهم تستخدم لحماية الأنظمة حتّى ولو قادت إلى تفتيت المجتمعات أو حتّى إلغائها.

الحرب والعدوان على اليمن فضيحتنا الكبرى كعرب، نقول: إيران وصلت إلى هناك… حسناً، من الذي أوصلها وفتح أمامها الأبواب؟ ألسنا نحن العرب؟ من الذي ترك اليمنيين طوال عقود خلت على تخوم العدم؟ ألسنا نحن العرب؟ أرادوا لليمن أن تكون رجولته عند حدود الجنبيّه الخنجر ، وصدق من قال إنّ الحفرة اليمنية بمثابة برمودا عربي، صحيح أنّه في اليمن شعب بهياكل عظمية بفعلنا كعرب، وصواريخ تنهال عليه عبر إعادة الأمل هذه المرة، ولكن جلّ العرب هياكل عظمية بعد أن دمّروا جيوشهم بأياديهم فصارت المقاومة وجهة نظر والإرهاب وجهة نظر.

فمن يفشل في المعركة كما هو حاصل الآن في عدم تحقيق أيّ هدف من بنك أهداف الحرب على اليمن، والتي صارت تعصف بأصحابها، لن يكون قادراً على تكرارها بالمطلق، لا على ذات الميدان اليماني ولا على الميدان السوري إن فكّر وقدّر، بل يذهب مكرهاً مجبراً الى مسرح آخر وميدان مسرح عمليات جديد، حيث وحدهم ووحدهم فقط أصحاب القضية من يكرّر المحاولة، أمّا أصحاب المشاريع سواء كانوا من الأصلاء أو الوكلاء للغربي، فيبحثون دوماً عن البدائل تنفيذاً لدور مرسوم ومقدّر لهم بامتياز.

محاربة الإرهاب تتطلب التزاماً أكثر جدية من قبل الدول الغربية وفرنسا بشكل خاص، وينبغي على القادة الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين وكل المنظومة الغربية والمندرجة تحت راية الناتو، مراجعة مواقفهم والتخلي عن كل الممارسات المشجعة للإرهاب، مثل تدريب وتسليح الثائرين المعتدلين في سورية! الذين لا هم معتدلون ولا ثائرون وإنما إرهابيون متعطشون للدماء.

لماذا استقال الجنرال ناغاتا؟

وهنا نتساءل: لماذا استقال الجنرال الأميركي ناغاتا في أول يوم تدريب ما تسمّى بالمعارضة السورية المعتدلة؟ قد يكون الجواب يتموضع في التالي وحسب ما أعتقده: من المحتمل أنّ الجنرال الأميركي اكتشف الخطّة، وهي إعداد إرهابيين فرق موت وظيفتهم تكمن في القتل وارتكاب الجرائم فلا يريد أن يرتبط اسمه بذلك، أو رأى أنّ الخطّة فاشلة لإحداث التوازن المطلوب على أرض الميدان، أو أنّ الأمر يتعلق بالمهمة ذاتها، وهي مراجعات أميركية مرتبكة ومتردّدة في إعادة النظر بالبرنامج كله دون إلغائه، وتفويض الأمر لبعض الوكلاء من بعض عرب وغرب.

وحده الزمن سيخبرنا إن كانت المذابح السابقة والحالية والمقبلة في قلب أوروبا، ستدفع القادة السياسيين والعسكريين في نواة منظومة الناتو إلى تغيير سياستهم المتعلقة بمحاربة الإرهاب من أجل تحسين التعاون الإقليمي والدولي حول هذه القضية، وللحيلوله دون المزيد من الهجمات الشائنة في أوروبا والشرق الأوسط.

فبين الواجب الأوروبي الأخلاقي وواقع السلوك السياسي والأمني الأوروبي هوّة وبون شاسع لا يعرف أحد كيف يمكن ردمها حتّى اللحظة في العالم، ويبقى السؤال الكبير والضخم أمام منظومات الأمن الأوروبية ومجتمعات استخبارات القارة العجوز: هل هناك استراتيجية أوروبية في الشرق الأوسط؟

مثلاً قد تكون الهجمات الإرهابية في فرنسا التي شكّلت، مرحلة تحوّل مفصلية على صعيد العلاقات الدولية، لم تنته تداعياتها بعد، ومآلاتها وعقابيلها وقد طبعتها الخطابات الهوِيّاتيّة، ولا يمكن نفي واقع أنّ من أول تداعيات الهجوم في باريس إثباته صحة المخاوف من وصول تهديد الإرهابيين إلى قلب أوروبا، بعد فترة من الحراك الغربي المبهم إزاء انتشارهم في الشرق الأوسط. لكن، في المقابل، فإنّ الاعتداء على شارلي ايبدو لا ينفي أنه يستبطن إشكاليات فرنسية داخلية من المفترض ألا تغيب، إذاً نحن في صدد أوّل نموذج حيّ لعودة الإرهاب المُصدّر إلى الداخل السوري إلى موطنه الأصلي حيث يضرب بالنار، إنّها الهجرة المعاكسة الآن، وعلى فرنسا أن تنحو نحو معالجات أمنية وسياسية جديّة، وهذا يعني تغيّراً جذريّاً في موقفها من مجمل الأزمات في المنطقة أو الاندفاع هروباً نحو الأمام بعيداً عن مصالحها، وها هي باريس مع كلّ أسف تدفع ثمناً باهظاً لسياساتها إزاء الشرق الأوسط، إنْ لجهة ليبيا، وانْ لجهة سورية، وانْ لجهة إيران، وانْ لجهة لبنان، ماذا سيقول فابيوس الآن؟

وما طرحه فرنسوا هولاند بخصوص الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، من خلال مشروع قرار دولي يتيح ضرب قوارب الهجرة في مكانها، للحدّ من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، يأتي في هذا السياق السريالي الأوروبي من حيث التركيز على النتائج ولا يبحث في الأسباب، حيث يتهامس القادة الأوروبيون في ما بينهم: أنّ هؤلاء المهاجرون غير الشرعيين يحملون بذرة الإرهاب، وهنا نقول لهؤلاء القادة: بفعل من قد يحملون بذرة الإرهاب؟ والجواب واضح: بفعل سياساتكم الخرقاء، وتدخلاتكم في شؤون الآخرين وإنشائكم للجماعات الإرهابية، ودعمكم لها عبر وكلائكم في المنطقة، وإرسالها إلى ساحات مناطقنا، وخاصةً إلى سورية ولبنان، واليمن وليبيا، ومصر والجزائر، وتونس والمغرب، وموريتانيا والصومال، لا بل والى ساحات بعض وكلائكم من بعض عرب في الحرب على سورية ومنطقتنا.

الفرنسيون اعتكفوا عن المشاركة بالضربات الجوية ضدّ أهداف لتنظيم «داعش» على الأراضي السورية، علماً أنّ باريس كانت من أشدّ المتحمّسين لتوجيه ضربات ضدّ النظام السوري في صيف العام 2013، قبل أن يتراجع الأميركيون والبريطانيون في آخر لحظة، بفعل المخرج الذي وفّره الروس لهم في تلك المرحلة برؤية عميقة للرئيس فلاديمير بوتين، أدّت إلى تدمير البرنامج الكيميائي السوري.

واللافت للانتباه أنّ الفرنسيين يتجنبون حتى الآن، وبأعذار غير مقنعة للرأي العام الفرنسي، مقاربة موضوع الضربات في سورية، تارةً بحجة عدم توافر غطاء الشرعية الدولية، وتارةً أخرى بحجة أنّ من شأن هذه الضربات تقوية النظام السوري. بعد تصفية الرهينة الفرنسية بيار هيرفيه غوردال في الجزائر في أيلول المنصرم، وإعلان فرنسوا هولاند أنّ بلاده لن تتراجع في حربها ضدّ الإرهاب، تجدّد السؤال حول مشاركة باريس في الضربات العسكرية الجوية في سورية، وجاءت مناقشات الجمعية الوطنية الفرنسية ومنابر ديبلوماسية وسياسية وأجهزة أمنية، لتعكس حجم هواجس الشارع الفرنسي، في ضوء الأداء المتعثر للحكومة الفرنسية.

وماذا عن حركة الإرهابيين العائدين من سورية والعراق ومالي إلى أوروبا؟ وهل من واجب الفرنسيين التضامن مع مسيحيّي سورية ولبنان والعراق ومجمل الشرق العربي، وصولاً إلى محاولة نجدتهم عند الضرورة، أم نتصرّف معهم على قاعدة أنّ فرنسا العلمانية، لا تملك نظرة خاصة إلى المسيحيين تميّزهم عن غيرهم من أبناء المنطقة؟ إذا كان لا مفرّ من ممرّ إلزامي من خلال قرار دولي يصدر عن مجلس الأمن الدولي، خصوصاً في ضوء مطالبة العراقيين المتكررة بذلك، فأية دينامية ستتبعها الحكومة الفرنسية للوصول إلى قرار دولي من شأنه، لو صدر، استعادة الشراكة مع الأسرة الدولية، وخصوصاً روسيا والصين في مواجهة خطر إرهابي كبير لا يستثني دولة أو شعبا؟

إذا كانت فرنسا تملك علاقة خاصة مع بعض دول الخليج وخصوصاً السعودية وقطر، وثمة استثمارات خليجية في السلاح والاقتصاد الأوروبي بعشرات مليارات الدولارات، كيف يمكن لفرنسا أن تجيّر هذا الرصيد، مع هذه الدول، من أجل أن تنخرط في الحرب ضدّ الإرهاب بدل ما يحصل من تمويل ودعم لمنظمات إرهابية لا بل لجمعيات تتظلل بعباءة الإسلام في أوروبا، وتحظى بدعم خليجي، بينما كانت تشكل غطاء لتجنيد مجموعات إرهابية إلى سورية وغيرها؟ ما هي السياسة التي رسمتها فرنسا للاستفادة من زخم علاقتها مع تركيا في الاتجاه نفسه؟

شروط الشراكة

ما هي شروط الشراكة الفرنسية والغربية مع روسيا وإيران في الموضوع السوري تحديداً؟ إلاّ إذا كانت باريس مقتنعة أنه يمكن تجاوز هذين العاملين في الأزمة السورية؟ هل تملك فرنسا استراتيجية واضحة في الشرق الأوسط، وخصوصاً في ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بمعزل عن سياسة الالتحاق بالولايات المتحدة؟ هل يمكن أن يعطي الفرنسيون تفسيراً لموقفهم المستكبر إزاء قضية المناضل اللبناني والعربي الكبير جورج إبراهيم عبد الله؟ ولماذا ينصاعون للإملاءات الأميركية التي تتحدّى قوانينهم ومبادئهم؟ ما هو الهدف العسكري الأميركي تحديداً والغربي عموما، هل هو وقف تمدد داعش والحدّ من نفوذه أم القضاء عليه أو تطويقه؟ هل يعتقد الفرنسيون أنه بمقدورهم محاربة داعش في العراق، وعندما تبلغ المعركة عتبة سورية يقولون إن الحرب ضدّ الإرهاب انتهت… وليفعل النظام السوري ما بمقدوره أن يفعله وحده في مواجهة مجموعات إرهابية باتت تضع يدها تقريباً على نصف الأراضي السورية؟

هل يمكن لعاقل أن يصدق أن الحرب ضد داعش لا يمكن أن تقتصر على الجو، بل لا بدّ من خيار البرّ؟ هل يستطيع الفرنسيون أن يمارسوا الشفافية تجاه شعوبهم، بالكشف عن بعض أدوارهم في تنظيم وتسليح مجموعات إرهابية وتسهيل انتقالها من أوروبا إلى سورية وغيرها من الساحات ؟ هل يخفى على المخابرات الفرنسية تحديدا، أنّ الفيروس الجهادي موجود في كلّ بلد من بلدان العالم ومنها فرنسا سواء أكان فرداً أم مجموعة أو أكثر، وبالتالي، يمكن لهذا الفيروس أن يتفشى بأسرع مما يتوقع القيّمون على أجهزة الاستخبارات؟

من يستطيع أن يعطي تفسيراً لعمليات تجنيد الإرهابيين في فرنسا وغيرها ولماذا فشلت سياسات الاحتواء والاستيعاب الأوروبية ولماذا يفضل أوروبيون إرهابيون الموت من اجل خليفة وهمي على العيش في ما تسمى بلاد حقوق الإنسان ؟ أين مسؤولية سياسات التهميش والعزل والنبذ تعاظم دور الأحزاب والمجموعات اليمينية المتطرفة في فرنسا وغيرها ؟

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd ahamd2003 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى