مكتبة «البناء»
محمد خالد الخضر
«حامل اللهب المقدّس»، كتاب للدكتور علي القيّم، صادر عن «دار الحافظ»، ويقع في 255 صفحة من القطع الكبير، وهو عبارة عن مجابهة أدبية وفكرية برؤى ترمي إلى الحوار وبتعددية شفافة في البحث والقراءة، ذاهبة بدقة في التحليل الاستقصائي والاستقرائي، إضافة إلى خلفية معرفية واسعة المجال وعميقة الأثر في رؤاها الثقافية.
يكرس القيّم في مجموعة مقالاته مواضيع متنوعة تذهب إلى الشعر والأدب والفن والفلسفة والموسيقى. مبيناً دور هذه المعارف في ازدهار الحضارة العربية وأهمية تكوينها بالهوية ومساهمتها في إشعاعها التنويري التنموي.
ويوضح القيّم أن التطور في أي مجال سواء كان في الموسيقى أو في الثقافة والأدب والعلم لا يمكن أن يأتي إلا بعد البحث والدراسة والعناء. وأن الثقافة العربية تراجعت بسبب التقليد ونسيان الأصالة وعدم الاجتهاد على ثقافتها.
ويعتبر المؤلف أن البناء الموسيقي لا يمكن أن يتطور إلا إذا اعتمد على الموروث والتراث وقواعده ومناهجه الكاملة والمحكمة. مبرزاً خطر غياب الابداع على المدى الطويل. فالثقافة النقلية في العالم العربي لا تكفي لمقاومة الثقافة العقلية التي ينتهجها الغرب.
والثقافة الكونية بحسب القيّم تحاول فرض نمط استهلاكي وقولبة الثقافات المحلية المختلفة بدرجات متفاوتة ومصادرة تراثها وتفكيك ركائزها من خلال تهميشها والتقليل من أهميتها.
وتحت عنوان «مسيرة الحوار الوطني»، يرى القيّم أن مسيرة الحوار الوطني في سورية بدأت بخطى واثقة وآمال واعدة وستستمر حتى تصل إلى نتائج جيدة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً. لكن الحوار عند المؤلف لا يستقيم إلا بالحس السليم وبالفهم والعقل واختلاف الرأي والرؤى والآفاق والطروحات بالمعنى العادي وبالفكر المخاطب والمعرفة المحاكمة. مع ضرورة إدراك أن الاختلاف يجب ألا يتجاوز سقف الوطن. إضافة إلى فهم الطريقة الجدلية على أنها بداية تطور من الأدنى إلى الأعلى ومن البسيط إلى المعقد، وأن الادراك يجب أن يكون برؤية سليمة تخدم الواقع والناس والمجتمع والتاريخ، وتنمي الذات وتشجع النقد الذاتي الحقيقي.
ويبحث الدكتور القيّم في مؤلفات ابن خلدون ومصادر معرفته الميتافيزيقية التي تشمل المعرفة الدينية والعلمية التي أبدع في تفصيلها والانحياز إلى يقينها. مبيناً أن ابن خلدون حصر المعرفة الحقيقية في المجال العلمي وحده، وأدرك أن الفلسفة اليونانية كانت في معظمها بعيدة عن المعرفة العلمية فضاعت في التكهنات التجريدية والقضايا النظرية سواء كانت كونية أو نفسية.
وفي كتابه يرى القيّم أن الشاعر سليمان العيسى يعتبر من أهم الشعراء، فهو من رسم الأحلام للطفولة وغنّى لها الفرح. كما اعتبر أن كتابات محمد الماغوط أصبحت أقوى بعد رحيله. فهو امتلك قوة الابداع وموهبة الشعر الذي أعطاه شكلاً فنياً جديداً. إضافة إلى شعراء آخرين سلط الضوء على نتاجاتهم.
وأشار القيّم إلى أن العقل العربي يميل إلى الملاحظات الحسية والتجريب والفضائل ويجمع بين مصالح الدنيا والآخرة. فهو لا يقبل على الدنيا دون الآخرة، ولا على الآخرة دون الدنيا.
وفي كتاب القيّم عناوين فكرية وأدبية وفنية أخرى تقارب فلسفة التاريخ وتتأمل بما وراء ما يدور مثل الموت الأسود القادم من الغرب والزمن الموسيقي وتغير الصراع بين الأسطورة والتاريخ. وأضاء خلالها على الإشكالات التي أصابت قيمنا الأدبية واستجلاء الرؤى نحو مستقبل حضاري عربي مشرق.
وعن هذا الكتاب رأى الشاعر رضوان هلال فلاحة أن خريطة الدكتور القيّم المعرفية انضوت في معالمها القراءات الفكرية والمناقشات الثقافية والتحليلية للأدب والفن والموسيقى والفلسفة. فلم تخرج عن هدفها التنويري وقصد الكتابة في رفع سوية العمل الثقافي وتنشيط الحركة الإبداعية، وفق بناء فني رفيع المستوى ومنهجية علمية واعية تطرق فيها إلى مساحات معرفية متعددة ومتنوعة.
في حين رأى الباحث بسام عبيد أن عبق الأصالة والتراث والتاريخ يفوح من كتابات الدكتور علي القيّم، وهذا ما تجلى في مقالاته المنوعة والتي جاءت تحت عنوان «حامل اللهب المقدّس»، إضافة إلى اعتماده المنهج الوثائقي والتزامه الإشارة إلى مصادره وفق مصداقية عالية، إذ ربط ايضاً بين ما أتى به من أفكار لكتّاب وباحثين آخرين وبين الرؤى الناجمة عن ثقافته وبحثه.
وفي المحصلة، فإن مواضيع كتاب «حامل اللهب المقدّس» تلتقي عند رؤية واحدة تهدف إلى عدم التخلي عن الأصالة والتراث، وتنمية التطور بشكل أخلاقي يحترم الماضي ويذهب إلى المستقبل بأسس سليمة تجعل مستقبلنا الثقافي أكثر قوة وأكثر نضجاً. وإن كانت هناك مواضيع يتفرد فيها القيّم برؤيته الخاصة وآرائه الجديدة إلا أنها تضيف نموذجاً ثقافياً جديداً إلى مكتبتنا.
يظهر أسلوب المقالة عند علي القيّم معبأ باللفظة الأدبية ومتجهاً إلى سرد فنيّ يأخذ بالمتلقي ويؤسس معه إلى علاقة تبادلية تهدف إلى وعي ثقافي، وهذا ما يجعلنا نرى اختلاف الآراء المدونة حول الكتاب وصحة كل منها.