المحكمة ترفض شهادة جنبلاط؟
ناصر قنديل
– الاستماع إلى النائب وليد جنبلاط ممتع عندما تمتلئ مداخلاته بالطرائف، لكنه سبب للملل والتعب وزيادة نسبة الحموضة في المعدة، عندما يتحوّل إلى قراءة مزاجية للتاريخ تقفز من حقبة إلى حقبة، ومن مرحلة إلى مرحلة، ومن عامل إلى عامل بطريقة استنسابية بعيداً عن احترام عقول المتلقين، خصوصاً القضاة المفترض أنهم شخصيات تمثل أولاً وأخيراً جمعاً للعقل والأخلاق، فهذه هي صفات القاضي في تعريف سقراط.
– عندما يصير خروج العماد حكمت الشهابي من مواقع المسؤولية في سورية عام 1998 مع بلوغه السن القانونية، قراراً منه برفض العمل تحت رئاسة الرئيس بشار الأسد الذي تولى الحكم في عام 2000، من حق القاضي أن يسأل، هل كان معلوماً موعد وفاة الرئيس حافظ الأسد مسبقاً من العماد الشهابي، وهل كان خروج العماد الشهابي طلباً استباقياً للإعفاء، أم بلوغاً للسن القانونية، وفوق ذلك يقول النائب وليد جنبلاط إنّ الشهابي كان صديقه الأقرب في سورية، فكلامه نموذج عن نسبة الإساءة إلى الأصدقاء في غيابهم، التي يتقنها ببراعة جنبلاط على كلّ حال، لكن هذه ليست إفادة تصلح لمحكمة، تعتمد تزوير الوقائع، فالشهابي غادر الحكم عام 1998 والرئيس حافظ الأسد في نيسان 2000 كان يخوض أصعب مفاوضات عالمية جمعته بالرئيس الأميركي بيل كلينتون، وكان يمكن أن يبقى إلى العام 2015 يقود سورية، طالما الحديث عن خلافته بدأ عام 1983 واستمرّ هو بعدها سبعة عشر عاماً يقود سورية، فمن كان يضمن عدم بقائه سبعة عشر أخرى؟
– ما قاله جنبلاط عن رواية اغتيال والده وتخطيها من قبله، بحساب ما أسماه المصلحة، سواء قال شخصية أم سياسية أم سماها وطنية وقومية، فهي شيء آخر غير الانتصار للحقيقة، وهو ما يهمّ المحكمة كميزة يجب أن يتمتع بها الشاهد، وقد قالها جنبلاط بنفسه أنه ليس وفياً لهذه الميزة المطلوبة حصراً، فهي مطاطة يقولبها وفقاً لمزاج قراءته لما يسمّيه بالمصلحة. وهكذا بالنسبة إلى قراءة جنبلاط لكلّ ما قاله عن لقاءاته بالرئيس بشار الأسد واستنتاجاته الخاصة بنظرة الرئيس الأسد إلى الرئيس رفيق الحريري بما لا يصلح لكتابة خاطرة على تويتر فكيف يصلح لإفادة أمام محكمة. كان يجب على المحكمة أن تشعر أنها عرضة للتلاعب من قبل من جاءها بصفة شاهد، وموضوعها ليس اتهام سورية الذي طواه قرار الاتهام، ليقف قاض شجاع بين صفوف القضاة ويقول له، هل لديك سيد جنبلاط ما يفيد المحكمة بتأكيد أو نفي الاتهام لمنتسبين إلى حزب الله باغتيال الرئيس الحريري الذين ورد بحقهم القرار الاتهامي، وسيقول جنبلاط عندها، آسف وفقاً للمصلحة، ليس لديّ ما ألفقه ضدّ حزب الله، بل ضدّ سورية فهل تمنحوني منصتكم لأخاطب الإعلام إذا لم يكن كلامي مفيداً لقضيتكم القانونية؟
– القضاة اللبنانيون، يتذكرون فجأة بصحوة ضمير أنّ الشاهد وليد جنبلاط أحد المستفيدين من قانون العفو العام عن جرائم الحرب الأهلية مع اتفاق الطائف، فيتوجه إلى الشاهد سائلاً: هل السيد جنبلاط من الذين استفادوا من قانون العفو عن جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية وجرائم قتل وتصفية جسدية، الذي صدر مع نهاية الحرب في لبنان؟ ولو لم يكن القانون الصادر بالعفو يشمله هل يظنّ السيد جنبلاط الواقف تحت القسم أنه كان سيلاحق بهذا النوع من الجرائم؟ ولأنّ الجواب نعم، فإنّ القاضي اللبناني الذي لم ينتبه إلى مهمته كقاض، فقد غفا في الجلسة مرتين وأيقظه جاره، سيطلب انعقاد هيئة المحكمة فوراً لمناقشة مدى صلاحية الاستماع إلى إفادة شاهد مستفيد من قانون عفو عن جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، ولولا هذا العفو لكان ملاحقاً اليوم. ولو شكلت لهذه الجرائم التي عصفت بلبنان طيلة عقدين، محكمة دولية لكان الشاهد أحد أبرز الملاحقين من هذه المحكمة، فتقرّر المحكمة شطب إفادات جنبلاط من محاضرها، وإسقاط صفة الشاهد عنه، وإلغاء المواعيد المتبقية لاستماعه، لفقدان الأهليتين القانونية والمدنية، المفترض توافرها بالشهود.
– سأل القاضي اللبناني من باب الاستباق، هل هناك شاهد مسجل في لائحة المحكمة اسمه سمير جعجع؟