مكتبة «البناء»

محمد خالد الخضر

تعبّر الشاعرة أميمة ابراهيم في مجموعتها الجديدة «دفاتر البنفسج» عن عواطف امرأة أصيلة تعكس مشاعر نساء وطنها، تلك المشاعر التي تأبى الذلّ وترفض مهانة الوطن، محاولةً ـ الشاعرة ـ أن تعوّض عن الموسيقى بالصور الفنية التي تدل على خصوبة خيال وسِعة ثقافة واطّلاع.

الوطن في مجموعة «دفاتر البنفسج» له الصدارة لأنه أهم ما تعتزّ به الشاعرة وأكثر حضوراً في دمها وعواطفها. تنشد له السلام وتدعو ليكون طيباً بأهله وناسه. تقول في قصيدة «ارتحال في الوطن»:

سلام لكم… من ترنيمة الياسمين

تغزل البياض شالاً للقمر

فلا صاروخ… لا قذيفة… لا وجع

لا قهر يُبعد الطير عن عذب تغريده

أو يبعد الغيث عن حضن الغمام

سلام… سلام… سلام.

أما الشهيد، فهو الأكثر بهاءً وأسطع نوراً. لذلك رأته في أرقى الصور وأجمل المعاني متدفقاً بنوره الأخّاذ ليعانق الفضاء ويملأ الكون رونقاً وجمالاً. ثم تتشرف به الشمس وتصبح الأرض أكثر خصباً وأكثر جمالاً. تقول في قصيدة «يعبرون السماء غيمة غيمة»:

شهيداً تلو شهيد يتقاطرون أسراب نور…

يعانقون الفضاءات

يلثمون الشمس… ثم يحلّقون

شهيداً تلو شهيد… تخصب الأرض بدمائهم.

وتعتبر ابراهيم أنّ الجمال لا يكتمل الجمال إلا بحمص، على رغم الألم الذي تعانيه وتكابده، وعلى رغم الجراحات التي أرهقت خاصرتها وأوجعت منافذها. لافتة إلى أن الذين غدروا بحمص نسوا خبزها وملحها وفضلها، ونسوا جمالها الذي يكسب الإنسان عزّة وندى. تقول في قصيدة «حمص»:

لحمص طعم الملح… آن لا يستقيم الطعام إلا به.

ولحمص وجع جرح نازف… ضغطناه بالملح…

يا حمص كيف نسينا خبزك وملحك وكيف حجارتك هانت علينا؟

وفي نصوص أخرى تضمّنتها المجموعة، يرتفع مستوى الصورة مرتقياً إلى مكانة الشعر نظراً إلى حضور الصور المبتكرة الجديدة، ثم تتدرج القصيدة إلى صوب الخاطرة الأدبية من دون أن تؤثر في المستوى الفنّي، ومن دون أن تخدش العاطفة المتدفقة. كقولها في نصّ «أقانيم الشوق:

سرب من الأشواق… من قلب فرّ… وحطّ بين يديك

حماماً في ساحة المسجد الأموي… وكنيسة حنانيا… ثم عاد

واستقرّ بعري لهفته في سرير على ضفاف بردى.

وتحاول ابراهيم أن تؤدّي بعضاً من هواجسها الشعورية على شكل الومضة التي حملت ما تريده من معان، وتكوّنت من صور خيالها التي التقطتها من الطبيعة الجميلة ومن أحلامها المرتقبة. تقول في نصّ «رسائل قصيرة جدّاً»:

طيّر حمائم روحك رفّاً رفّاً لا تنتظر عودتها

هي في أعشاش قلبي تبيت.

يغلب على مجموعة «دفاتر البنفسج» الصادرة عن الهيئة العامة السورية، والتي تقع في 105 صفحات، أسلوب الصورة والتشكيل وانعدام الموسيقى، ليأخذ مكانها البوح والدلالة والصوت الأنثوي الأصيل. كما تتفاوت مستويات النصوص ويبقى الكتاب في مستواه الأدبي الراقي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى