خيارنا واحد: الصراع لتحيا سورية
الياس عشي
منذ أن وضع اتفاق سايكس بيكو موضع التنفيذ، بدأت الصهيونية العالمية تشقّ الطريق ليعبر وعد بلفور إلى فلسطين، حيناً بهجرات جماعية ليهود أتوا من كلّ مكان، وحيناً آخر بمذابح أثارت الرعب حملت توقيع العصابات اليهودية، فاضطرّ الفلسطينيون إلى ترك أرضهم وملاعب طفولتهم. ولم تمضِ سنوات إلا وكان اليهود يحتفلون بإعلان «وطنهم القومي» الذي وعدهم به بلفور، فيما العرب منهمكون بنصب الخيام، وإقامة المخيمات لإخوانهم الفلسطينيين، تماماً كما كانوا في عصر البداوة.
بيعت فلسطين فانتشرت مجالس العزاء، وكثر النحيب! وفي خطوة غريبة خبيثة وضع الاستعمار يده على عواطفهم وصادرها، ورشاهم بمملكة هنا، وإمارة هناك، ورسم خرائطهم فوق رمال متحركة، ونقب أرضهم، واستولى على ما فيها من ثروة، وجعل حصة الملوك والأمراء وراثية إلى أن تقوم الساعة.
والغرب ليس غبيّاً، فأسكت الشعوب العربية بأن سلّح تلك الممالك والإمارات بأحدث الأسلحة. وانطلت اللعبة، وصدّقت تلك الشعوب أنّ الأسلحة هذه سترمي اليهود في البحر، وستعيد الأراضي المغتصبة إلى أصحابها الفلسطينيين، إلى أن استيقظوا من حلمهم الطوباوي ليروا الأسلحة توجَّه ضدّ العرب أنفسهم من الفرات إلى النيل، ومن الرياض إلى صنعاء بعد أن مرّت ببغداد ودمشق، ومن قبل بتونس وليبيا.
ضمن هذه المشاهد الدراماتيكية برزت أحزاب وطنية وقومية سعت دائماً إلى إلغاء اتفاق سايكس بيكو، وإعادة الوحدة إلى الوطن السوري، وإحياء التراث الحضاري لأمّة «ظنّ الكثيرون أنها ماتت»، غير أنّ الغرب كان حريصاً على تطبيق بنود سايكس – بيكو ووعد بلفور بدقّة، مع رغبة لم تتوقف أبداً في تطويرهما إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك.
ودعت الحاجة إلى ذلك، ودقّ ناقوس الخطر أكثر من مرّة، فهذه «إسرائيل» التي، كما رُوّج لها، لا تهزم، هُزمت في حرب تشرين 1973 ، وهربت من لبنان 2000 ، وذُلّتْ فوق الأراضي اللبنانية 2006 .
وفي مكان آخر… كانت المقاومة الوطنية في العراق ترسل إلى البيت الأبيض أكثر من خمسة آلاف نعش لجنود أميركيين.
وفي مكان ثالث لم يستطع الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، أن يلوي ذراع السوريين ولا المقاومة الوطنية، فانتقل إلى المربع الطائفي المذهبي، مستعيناً بالدول المجاورة، وبجماعات أصولية متطرفة، وببيئات حاضنة، وأمرهم بتدمير سورية، وإقامة إمارات، في خطوة متقدّمة لتعديل خريطة سايكس – بيكو، وإعلان جغرافية أخرى، أيّ تقسيم المقسّم. وهذا ما يجري اليوم.
وليس أمامنا سوى خيار واحد: أن نصارع لتحيا سورية.