اليمن بين خدعة الهدنة واستدعاء كامب ديفيد
العميد د. أمين محمد حطيط
عندما أذنت أو دفعت أميركا السعودية للعدوان على اليمن، استنساخاً لما حصل في غزو الكويت على يد صدام حسين، كانت تبتغي تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة فضلاً عن حفظ مصالح آنية عارضة، وبين الاستراتيجي من الأهداف والمصالح تلك تندرج مسألة توفير البيئة المناسبة لأميركا للسير قدماً في توقيع الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، من دون التسبب بإنتاج أي شعور خليجي بالتخلي عن هذه الدولة أو تلك وحمايتها المزعومة ضد «الخطر الإيراني الوهمي « لا بل استغلال الظرف لتحقيق مكاسب مضافة.
أما السعودية فقد ظنت أن لجوءها إلى القوة في هذا الظرف بالذات سيؤمن لها مصالح في اتجاهين، الأول يتصل باستعمارها لليمن باعتباره جزءاً رئيسياً من فضائها الحيوي الاستراتيجي تديره بإشراف أميركي ولمصلحة أميركية غربية صهيونية، أما الثاني فيتصل بموقعها وقدراتها الذاتية لجهة امتلاكها القوة العسكرية المؤثرة التي تجعلها مكوناً رئيسياً في المنطقة لا يمكن تجاوزه عندما يحل أوان البحث في الخرائط ورسم حدود الدول وفضاءاتها الاستراتيجية التي ستكون نتيجة حتمية للحريق العربي المندلع منذ ما يقترب من السنوات الخمس.
إذن من أجل مصالحها التي تتضمن مصلحة «إسرائيل» طبعاً، أغرت أميركا السعودية بشن هذا العدوان الذي تعلم قبل غيرها أن السعودية بكل ما تملك من سلاح ومال وإعلام وما ترتبط به من علاقات إقليمية ودولية، غير قادرة على تحقيق الأهداف التي تتوخاها منه، لكنها تعرف أي أميركا في الآن نفسه أن مثل هذا العدوان سيوفر لها فرصاً شتى لتحقيق أهدافها وإظهار العجز السعودي في الميدان.
وجاءت الأيام الخمسون لتثبت صحة هذا الأمر. فالسعودية، وعلى رغم ما ارتكبته من جرائم حرب وضد الإنسانية بما فيها جريمة العدوان بذاتها وجريمة الإبادة الجماعية واستهداف المدنيين دونما تمييز بين هدف عسكري أو مدني قصفت المستشفيات والمدارس والأماكن الآهلة ودور العبادة والآثار التاريخية الخ… وجريمة استعمال الأسلحة المحرمة دولياً القنابل العنقودية وقنابل الفوسفور الابيض الحارقة والقنابل الفراغية والقنابل النتنة وعلى رغم كل العمل التدميري الذي مارسته فأنها لم تستطع أن تلوي ذراع اليمن، ولم تجبر اليمنيين على قبول استعمارها بعد أن وضعتهم بين خيارين الاستعمار أو الدمار ما يعني أن 50 يوماً من العدوان التدميري الوحشي عجزت عن أن تحقق للسعودية شيئاً مما ابتغت. كما لم يسعفها قرار مجلس الأمن في إنقاذها من إخفاقها على رغم أنه أغفل عدوانها وشرعه في شكل ضمني ولاحق الضحية.
والآن يبدو أن أوان القطاف الأميركي قد حان، ولهذا كان استدعاء أعضاء منظومة حراسة المصالح الغربية في الخليج، والذين يطلق عليهم تسمية ملك أو أمير أو شيخ، استدعاء إلى أميركا من أجل التوقيع على ما تريده في المرحلة المقبلة منهم وما عليهم القيام به في إطار الوظيفة التي من أجلها ثبتوا في دولهم حكاماً. فما هي المطالب الأميركية وما هو مقابلها؟
في البدء نشير إلى أنه ومن أجل أن يكون اجتماع كامب ديفيد هادئاً، فرضت أميركا على السعودية تجميد عدوانها لمدة 5 أيام وهي المدة اللازمة للاجتماع تحضيراً وتداولاً، بالتالي فإن ما أعلنه وزيرها عادل الجبير وبحضور جون كيري وزير الخارجية الأميركي من هدنة، لا يعتبر بالمعنى العسكري أو القانون هدنة بين متحاربين، لأن الميدان حتى الآن لم يشهد حرباً بين السعودية واليمن بل جل ما في الأمر هو عدوان من طرف واحد تمارسه السعودية من دون أن تقوم اليمن بالرد حتى الآن، ثم أن الإعلان عن هدنة يستوجب اتفاقاً بين الأطراف المتحاربة الأمر الذي لم يحصل بل الذي تم هو أن السعودية أعلنت بدء العدوان والسعودية أعلنت وقف هذا العدوان لمدة خمسة أيام في شكل مشروط ما يعني أنها وفي ظل غياب آلية مراقبة أو هيئة مراقبة للهدنة تستطيع أن تستأنف العدوان في أي لحظة وتدعي بأن الطرف الآخر لم يستجب لشروطها وتحمله بمنطقها المغاير للمنطق مسؤولية الانهيار.
ومن أجل هذا ننفي كلياً صفة الهدنة عما تم، ونرى فيه تجميداً احتيالياً للعدوان لمدة تحتاجها أميركا من أجل اجتماعات كامب ديفيد ومن أجل التنصل من المسؤولية عن العدوان على الأقل ظاهراً، وأخيراً من أجل إظهار «الوجه الإنساني» للسعودية المعدوم أصلاً وحرصها على الشعب اليمني الذي ذاق من نارها الأمرين، إذن أن في الأمر خدعة وليس فيه هدنة حقيقية.
أما على الصعيد الأميركي وأكثر تحديداً ما تبتغيه أميركا من استدعاء الخليجين إليها، فإننا نرى أولاً عدم التوقف عند غياب هذا أو ذاك من المسؤولين الخليجيين كما أننا لا نعير أهمية لما تردد من تفسير لهذا الغياب. فأميركا هي صاحبة الولاية على النفس والمال في الخليج، والخليج التابع لها ولا يملك القدرة على التمرد عليها خصوصاً أنه يعرف أن موقعه لا يساوي عندها أكثر من اتصال هاتفي يجريه موظف أميركي به يأمره بالرحيل فيرحل كما حصل مع حمد أمير قطر السابق الذي لم يعط وقتاً لترتيب أغراضه الشخصية قبل إخراجه من قصر الحكم.
أما جوهر ما تريده أميركا من اللقاء فهو كالتالي:
التأكيد على إمساكها الحصري بالقرار الخليجي بعيداً عن أي طرف آخر بما في ذلك أوروبا التي يحاول بعض حكامها التسلل من الباب الخلفي لإقامة علاقات مع الخليجيين توحي للبعض بإمكان ظهور منافسة أميركية أوروبية على الخليج، وهو أمر غير صحيح، فإن أميركا ترى أن أي طرف دولي يبتغي الدخول إلى تلك المنطقة عليه أن يستحصل على التأشيرة الأميركية كائناً من كان.
إبلاغ الخليجيين مجتمعين بأن حل مسألة الملف النووي الإيراني هو حاجة أميركية عليهم احترامها وهي لن تمس مصالحهم لأن إيران بعد التوقيع لن يكون بمقدورها «الاعتداء عليهم» بسبب الحماية الأميركية الثابتة وهنا يكون الانتقال إلى الهدف الثالث.
ضرورة مساهمة دول الخليج بنفقات الجزء الجنوبي من الدرع الصاروخية الأطلسية التي بدئ بإنشائها في أوروبا الشرقية ومخطط لها أن تصل إلى مضيق هرمز عبر تركيا، وهي الدرع التي أنشئت لاتقاء الخطر الناري الباليستي الذي تشكله الترسانة الصاروخية غير النووية التي تملكها كل من إيران وروسيا والصين.
إشعار الخليجيين بالمتغيرات الدولية والإقليمية المرتقبة بدءاً من أول تموز المقبل، خصوصاً على صعيد ملفات العراق الذي بات تقسيمه في السياسة الأميركية مسألة وقت فقط والسورية التي استعصت على المشروع الصهيوأميركي واليمن الذي فضح عجز السعودية ومعها دول الخليج وأظهر حاجة تلك الدول للحماية الأميركية ولمزيد من الإنفاق العسكري بضخ أموال في شرايين شركات السلاح الأميركية وبعض الأوروبية التي تأذن بها أميركا.
وعليه يكون استدعاء الخليجيين إلى كامب ديفيد جزءاً من إنتاج بيئة ما بعد الاتفاق النووي الإيراني، وما بعد الفشل الغربي في مواجهة محور المقاومة في سورية وما بعد الإخفاق الخليجي في اليمن، فرصة تستغلها أميركا لإبلاغ أتباعها بما عليهم القيام به في المرحلة المقبلة التي بدأ الأميركي والروسي وبمتابعة صينية وإيرانية وأوروبية رسم خطوطها في سوتشي بلقاء كيري لافروف، اللقاء الذي يهيئ لمرحلة إنضاج التسويات الدولية،على ضوء نتائج المواجهة القائمة، والتي أدخلت فيها السعودية في الأشهر الأخيرة لتكون في فريق الخاسرين الملزمين بتقليص فضائهم الاستراتيجي هذا إن لم يكن بتقليص حدودهم الجغرافية. أما اليمن الذي ينشد الاستقلال فانه وحتى يدخل مرحلة الرد على العدوان سيبقى موقداً ووقوداً لمصالح المعتدين.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية